Category Archives: خواطر
الزمن بنسخته العربية
نشوة
خبثٌ في وعينا الجماعي
قايين حيّ فينا.. وسينتصر
إنها نجمتي
لبّت النداء
إذ جاء..
من السماء
من أقاصيها
من العوالي
أنا هنا ..
وليدُك في الأسر
لا سيف َلا ترسَ لا دواء
.
رداؤه من إبر
غطاؤه من رياح
من غيوم
من مطر
لقد مرّ زمنُ الشقاء
ودنا
يومُ اللقاء..
ألسّلامُ لكم! تحية؟
كان التلامذة مجتمعين والأبواب مغلقة خوفا من اليهود. ظهر المعلم لهم وكان يوم أحد وهو اليوم الثامن بعد القيامة. قال :”ألسّلام لكم..”
ألسلام لكم! هل هي تحيّة؟
باعتقادي هي كذلك، في الظاهر. في الحقيقة هي أبعد من تحيّة وأعمق من سلام.
أعطاهم السّلام. وهبهم النعمة.
ألسّلام هنا يتداخل مع النعمة. ألنعمة التي أعطاها المسيح للتلاميذ ليفتحوا قلوبهم، ويكونوا على مقدرة التصالح مع الرب، والولوج الى عتبة العهد الجديد، واستقبال الجمال الحقيقي.
بهذا يؤهَّلون بدورهم لإعطاء النعمة أو السّلام. لا فرق.
ألسّلام لكم! فيها نعمة إزالة البشاعات من الذات اليابسة والقلوب الجافة.
هي أكثر من تحيّة..
حتى تتآلف القلوب وتتلاقى الوجوه، إعطاؤها السّلام.
مِمّن؟
من كلّ موهوب إياه.
كلّ بمقدوره إعطاء السّلام إن وُهِبَه.
إن وُهبتَ السلام فأنت يدُ الله.
وُهبتَه؟
هَبْه.
ألكلّ مُستحِقٌ له.
التواصل مع الذين ماتوا، معقول؟
ماتوا؟ لكم ارتحت لكلمة غابوا… لكم أنستُ بها…
يبقى الموت سرا كبيرا كما هي الحياة. التصالح معه لم يتمّ. تمّ مع القيامة. هذا يعني أن الموت يبقى عدوّا، ويبقى آخر عدوّ يبطُل. الغلبة في المعركة معه لا تكون بتجاوزه، بل بالخروج من سردابه بعد الدخول إليه. ألدخول فعل محتوم لا مفرّ منه.
قناعتي أننا موتى عند دخولنا السرداب، أحياء عند خروجنا منه. في السرداب نحن في قبضة الموت. نصير غُيّابا عند تحرّرنا، إثر خروجنا …
مَن لا يخشَون نهاية الوجود الأرضيّ قلّة مُختارة. أو هي بالغة، واصلة، بفعل ممارستها الذاتيّة، ومجاهدتها الإختياريّة. ما نسمّيه النزاع يوجز فكرة التعلّق بالكيان الترابيّ واستصعاب الفراق إلى حدّ رفضه. هذا على أساس عدم فهمنا العميق لفكرة الحياة، واحتسابنا الذين غابوا عنا أمواتا لا لقاء لنا بهم، وجهلنا لكونهم – لاسيما إن كانوا قاماتٍ من نور – يُسقطون علينا ثمارا سماويّة لا ندرك غالبا في عتمة وجودنا مصدرَها.
بعد اكتمال مرحلة النزاع يكون الفراق. يكون الفراق بسقوط التراب كليّا من المُفارِق الراحل، فيُمسي نورا كاملا إن استحقّه واقتدر احتماله، وتكون بذلك استحالة تواصله مع الآخر الباقي في التراب.
باعتقادي، حالة التواصل المفقودة يمكن استعادتها بردم الهوّة بين المتحرّر من الترابيّة والحامل لأثقالها المشدود الى مغرياتها.
ردمُ الهوّة هذه فعلُ نضال لتخفيف وطأة الثقل الأرضيّ الترابيّ. هذا النضال هو مسؤوليّتنا نحن الترابيّين، المنتظرين، المتطلّعين إلى الرحمة، الراجين الخلاص والوصول إلى النور.
مَن انتقل إلى الرحمة – وبعد أن تذوّق حلاوة الإتصال بالنور، ونَعِمَ به، واستعاد الجمال الأول – لا يمكن له أن يعاود الحنين إلى التراب، وقد نجح في الخلاص منه. يستحيل عليه إذا أن يعاود الإتّصال بالكلمة، أو بالفكرة، مع من هو نزيل الوجود الأرضيّ الثقيل، ولصيق الترابيّة القبيحة.
المسؤوليّة على الترابيّ الذي لا يزال عالقا في شراك هذا الوجود الأرضيّ إذا. عليه هو ممارسة فعل الجهاد المتواصل والتوق المتكامل والانسلاخ الإرادي عن حضن هذا العالم، فتخفّ َعنه قوّة التراب وجاذبيّته. يصير مُمَجّدا حتّى ولو إنه لا يزال في الجسد. يرتفعُ. يسمو. ينسكبُ الضياء عليه. نعم، ينسكبُ على جسده. يصيرُ في منزلة علويّة تؤهّله لسماع العزيزَ الذي غاب، أو لإسماعه.
بقناعتي هذه الوسيلة الوحيدة التي تتيح لنا التواصل مع الذين تحرّروا فغابوا، فتكونَ بيننا وبينهم مودّات، حتّى ولو إنهم باتوا في ضيافة الرحمن، بينما لا نزال ضيوف الأرض، لصيقي ترابها، نزلاء منازلها
صوتٌ وليس نداءً
كان النداء ورديا نديا
في ذلك الطفل الذي كنتُه.. أصاب قلبا طريا…
يتحرّى الطفل عن الصوت.. يتهجّى فيه نغماً.. شهيّا
يسألُ موجاتِ الأثير..
يلمحُه ساهرا في الفجر، في الأصيل
في عنفوان الخيل.. في الصهيل
في عين حمامة بيضاء.. في الهديل.
يلقاه..
يلقاهُ على الحدود.. ما بين البكاء والغناء..
بكاء الضعفاء
غناء الغرباء.
لا يسمعُ فيه ما ظنّه إيقاعا
ولا ما خاله إبداعا
الصوت الأول.. والأخير
عصر يوم من أيّام أيلول الماطره
في شارع من شوارع بيروت الفاخره
لأربعين سنة مضت
ناداني صوت
من على شرفة الطبقة الثانيه
لبيت راهبه…
.
كان في الصوت نعاس.. كنعاس الساهرين
وأجراس.. أجراس ميلادِ
تنادي…
رَبٌّ وشعبٌ وكتاب
وسلاحي يا أمّاه.. ما سلاحي؟
ريشةَ عصفور حييٍّ.. بنفسجيّ العين، مكسور الجناح
تستقي مِدادَها من جبيني.. من دمع دواتي
من قميص يوسفَ.. مصبوغا بلون حياتي
ولون حيواتي..
من شرايينَ مزّقها الذئبُ.. من جراحي..
من أكاليل الزهر..
من ماء البحرِ.. من حبل ذكرياتي
من لون قمري المكسورِ..
من حبي المهدور.. من دمي المُباحِ.
ريشة عصفور صديق.. ترسم، خارجَ كلّ المسافاتِ..
وفوقَ وبعدَ..
وفي ما يفوق، وما يسبق.. وما يتعدّى
كلّ الطقوس
وكلّ الدروس
وكلّ الدساتير والقوانين و النصوص..
ترسم بين النقاط والفواصل والسطور
قصّةَ شعبٍ بائسٍ مهزوم
يعيشُ بالشعارات
يموتُ لتحيا الزعامات
يفترشُ الطريقَ أمام السفارات..
ويسمّي هذا نصرا من الله.. وفخرا يدوم
إن هو حصل على إذن مرور.
تخطّ بين النقاط والفواصل والسطور
حكايةَ شعبٍ بليّتُه الطوائفُ والعشائرُ والمذاهبُ.. والغرور
يتوكّل على رَبّ مُسِنّ غَضوبٍ.. يحبّ الإنتقام، َغيور
حاباهُ .. إستجدى رضاهْ ..
لا يكلّ..
لا يملّ من مدّ يديه.. لسماهْ
حرق له البخّور..
بنى له الكنائسَ
والجوامعَ..
نذر النذور..
وانزوى.. ينتظرُ الفرجَ من عُلاهْ.
قصةَ شعبٍ.. ألِفَ العيشَ في الحُفَر
بين اللحود والكفون…
ألِفَ العيشَ في القبور..
عبْرَ العصور..
وسْط الجماجم والنعوش.. والنقوش.. والصوَر
يهوى الطربَ والرقصَ.. ينتشي بالغناء..
يعبدُ الزعماء
يصفّقُ إن خطبوا.. لخطابهم
يفخرُ بقماش ثيابهم
يقوى بقواهم.. يسترُ فقرَه بغناهم
ويحتمي..
يحتمي بجلودهم من بردِ الشتاء.
يدعو.. هلمّوا، هُبّوا وصلّوا. إذا هُمُ اعتلّوا.. وهمْ منه براء
يفزع ويكبّر.. إن همْ عليه تكبّروا..
وتجبّروا..
يلطّم في رأسهِ
ويجرّحُ..
يبكي.. إذا ماتوا
يخشى من بعدِهِم على نفسهِ
من الذلّ من الهوانِ من الفناء..
يتبعُهم.. أعمى.. إلى الهاوية، إلى الفراغ، إلى الهباء، إلى الخِواء .
يأكلُ الرزّ بالخبزِ
ويعتزّ.. يعتزّ بما همْ فيه من العزِّ
ويسمّي هذا قَدَرا
وتقسيما من الربّ للرزق.. وهبةً منه.. وعطاء
وينسى..
وينسى أنّ ربّه مسنٌ هَرِمٌ.. وأنّ لا أملَ من أذنه الصَمّاء
وأنّ الإتّكالَ عليه هَراء..
وأنّ التوسّلَ إليه، والتسوّل على بابهِ لا يزيلُ البلاء…
هُبَّ يا شعبيَ المسكين هُبَّ..
أهتُكِ الحُجُبَ..
دعِ السماءَ للسماءْ
وافتحْ لنفسِك على الأرض دُرُبا..
كُفّ عن رفع الأيادي إلى الفضاءْ
عن التسلّي بنخرِ الأنوف وقتل الذباب..
والتسكّع في الملاهي..
والتمرّغ في التراب.
مزّق الأقنعةَ..
أزِلِ الحواجزَ.. فتّحِ الأبواب..
وانسَ..
إنسَ كلّ كلام عن ثَواب..
عن عِقاب..
هُبّ يا ساكنَ الوديان هُبّ..
إسأل السؤال..
إصعدِ الجبال..
إجتَزِ الهضاب.
هُبّ يا تابعَ الخصيان هُبّ..
حرّر الأحرار..
إتبع الأخيار..
نظّفِ الأثواب.
هُبّ يا عابدَ الأوثان هُبّ..
هُبّ يا سامعَ الأذان هُبّ..
واخترعْ..
إخترعْ لكَ من جديدِك ربّا..
ربّا يحرّضُك..
على كسر القيود
وهدم السدود
وفتح الحدود
يحرّرك من قيد الحديد
ويعبُر بك..
من حياة العبيد
إلى سيادة العقل..
إلى عبادة الحرف، وتقديس الكتاب..
لكم دربكم ولي دربي.
[arabic-font]
لا تلوموني
فإنّي
لا أريدُ القتال..
ولا النزال.
لا أحبّ الحربَ..
ولا الضربَ..
وأخشى يا رفاقي صوتَ الغراب..
وأكرهُ نباحَ الكلاب..
ولكنّي.. لستُ بجبانِ…
أكرهُ ما تحملون من بواريدَ وحِراب..
إنّ ما أنتم عليه من فساد
وعناد..
وضلال..
وضياع في غياهب السراب..
لن يجلبَ – لكم ولنا – إلا الدماء والبكاء والخراب..
أتركوني يا رفاقي.. أهجروني..
إذهبوا وغباءكم عنّي..
فإني..
لستُ منكم..
لا أريد حربَكم..
دربي ليست دربَكم..
ولكنّي..
لست بخوّانِ.. ولا أنا بجبانِ…
.أنا لا أفهم لغة التحدّي ولا التشفّي ولا القصاص..
إصفحوا يا رفاقُ عنّي
فانّي
لا أملكُ من دنياي الا كلامي
وسلامي..
.لا تحدّثوني عن طوائفَ ولا عن خصام
ولا عن مذاهبَ.. ولا انتقام.
حدّثوني عن شتول الياسمين وبساتينِ العنب
عن أقمار.. عن أسفار.. عن ينابيع الذهب..
عن وئام..
عن تعايش..
عن سلام.. عن بحور مرجان
عن كلام.. عن سطور فنان
حشو بارودتي يا رفاق..
حشو بارودتي ريشةٌ وبعضُ ورقٍ وأقلامُ رصاص…
.ضاجعوا الكتابَ يا رفاقي..
واستقوا من دمائه.
جالسوه واسبحوا في فضائه.
إشحذوا السيوف..
سنّنوا الرماح..
شطّبوه.. جرّحوه..
وارتووا من جروحه
ثمّ، لا ترحموه..
لا تنثنوا عنه..
إلا..
وبكم روحان في جسد
روحُكم أنتم..
وقد انسكبت على روحه…
هويت زرعَ الحروف في العوالي..
والمعاني.. والدوالي..
على كل هواء..
في كل سماء..
فيا أيّها الرفاق
كسّروا السيوف كسّروا الحراب..
واهجروا أنفاق النفاق..
واعشقوا..
إعشقوا الكتاب ..
واقرأوا الكتاب..
وثقوا. ثقوا بما قاله لنا في الكتاب…
كانت قد كُتبت قبيل حرب الجبل العام 1983
[/arabic-font]