روبوت

العقل الغربيّ إبتكر ال “روبوت” وأدخله حتى في علم الحروب.
وما حاجة الغربيّين الى كلّ هذا الجهد؟
أينكرون أننا نحن روبوتاتهم المفضّلة، الأكثر أمانة ودقة؟
برمجة عقولنا أسهل بكثير من برمجة إنسانهم الآلي ..

المنارات

إستغراب ما يفعله المتحاربون- في سوريّا أو في سواها – نكران للواقع ونسيان للحقيقة.
المتحاربون فعلوا ذلك منذ آلاف السنين. سيفعلونه بعد آلاف السنين..
أفهم أن يدمّروا المستشفيات  والجسور، وأن يقتلوا الأطفال والنساء والشيوخ.. والرجال..
ما لا أفهمه تدميرهم لما نحن، في عالمنا العربي، أحوج ما نكون إليه. المنارات.
ما قرّت عين الطغاة يوما لشيء قدر ما قرّت لجهل شعوبهم.

الزمن بنسخته العربية

ما حاجتنا نحن العرب الى الرؤية والإبداع؟
الزمن بنسخته العربية هو استنساخٌ للمستقبل من الماضي. مستقبلنا هو تاريخنا، مكتوب منذ مئات السنين.
أجيالنا القادمة نحفرنحن مستقبلها.. الهاوية الكبرى.
كلّ إبداع هو خارج الزمن.
النارجيلة لا نكهة لها بدون طاولة الزهر..

نشوة

كتبت مرّة عن إغواء التراب. أفكر اليوم بإغواء الدمّ.
لا يعود للقتل معنىً، إن لم يكن ذبحا.
فعلُ الذبح يستجلب نشوة .
هذا في مسرحية اسمها “نحن” ، وعلى مسرح اسمه “العالم العربي”.

خبثٌ في وعينا الجماعي

عاملٌ يجمع الأتربة على الطريق. عدّته رفش ومكنسة وعربة بدولاب.. وولدٌ في العاشرة.
الولد يدفع بالعربة. يتوقّف. يحمل الرفش. يتأمّله هنيهة. يقلّبه بين يديه. بعنفوان. بافتخار.
.
حرت في تفسير حركته ..
أيُعقل أن يكون الصبي فخورا برفش وعربة تراب؟
.
يقرّر تركيزه في العربة. يحرص أن تكون العصا في الوسط، موجّهة بإتقان في انحناء علويّ.
يسير مختالا.
.
ما شككت أبدا بكون الصبيّ يفكّر بالمدفع…
وعيُنا الجماعي الخبيث يتجلّى مفضوحا في ترجمة صغارنا له.

قايين حيّ فينا.. وسينتصر

كلّهم فشلوا في تحريرنا من سطوة قايين.
فشل المسيح، قبله موسى، وبعده محمد.
هابيل يموت كلّ يوم.. قتلا..
كتلة اللحم فينا لا تتعب من الزعيق: بالروح بالدم نفديك يا قايين.
.
فتوى قتل قايين غير قابلة للتنفيذ..
معناها إنتحار جماعي..
.
– الحل؟
– ألإرتقاء بالإنسان الى مرتبة الحيوان.

إنها نجمتي

أظنها هي
هذه النجمة الآتية من بعيد
كعين راهب فقير..
تبحث عن وليد..
وليدُها ضلّ الدّرب.. أو هو أسير
.
أرى فيها عيني يوحنا
متكئا على صدر المسيح
حاجبي بطرس فيها.. 
سيفه الطويل المجعّد المجدول
استلّه ليدفع به الشرّ..
عن طفله الأشقر
.
أغمدْ سيفك يا بطرس..
هذه الكأس
ما جئت إلا لأشربَها..
.
فيها سبّابة توما تغوص في الجرح العميق
يد السيّد فيها.. تبارك الخمرَ العتيق
.
خذوا اشربوا، هذا هو دمي
.
فيها بؤس بيلاطس وقد أضناه النعاس.. 
حولَه الوسائدُ تتقطّر دما..
وقلبُه ندما.. 
لا يفرغ من غسل يديه…
وحيدا. أرهقه درعُ النحاس
..
فيها المجدليّة حرّةً من ذلّ الدهور
فيها يهوّذا وقد تاب
وآب 
الى حضن الحبيب
الى وكر النسور
.
فيها غالية الغوالي

لبّت النداء
إذ جاء..
من السماء
من أقاصيها
من العوالي

.
دوري يا نجمتي في فجر الفضاء

أنا هنا ..
وليدُك في الأسر
لا سيف َلا ترسَ لا دواء

.

رداؤه من إبر
غطاؤه من رياح
من غيوم
من مطر

.
إطربي يا نجمتي.. ارقصي
يا قرصَ السماء
كيما يغار منك عطرُ المساء
.

لقد مرّ زمنُ الشقاء
ودنا
يومُ اللقاء..

 

 

ألسّلامُ لكم! تحية؟

كان التلامذة مجتمعين والأبواب مغلقة خوفا من اليهود. ظهر المعلم لهم وكان يوم أحد وهو اليوم الثامن بعد القيامة. قال :”ألسّلام لكم..”

ألسلام لكم! هل هي تحيّة؟
باعتقادي هي كذلك، في الظاهر. في الحقيقة هي أبعد من تحيّة وأعمق من سلام.

أعطاهم السّلام. وهبهم النعمة.
ألسّلام هنا يتداخل مع النعمة. ألنعمة التي أعطاها المسيح للتلاميذ ليفتحوا قلوبهم، ويكونوا على مقدرة التصالح مع الرب، والولوج الى عتبة العهد الجديد، واستقبال الجمال الحقيقي.
بهذا يؤهَّلون بدورهم لإعطاء النعمة أو السّلام. لا فرق.
ألسّلام لكم! فيها نعمة إزالة البشاعات من الذات اليابسة والقلوب الجافة.
هي أكثر من تحيّة..

حتى تتآلف القلوب وتتلاقى الوجوه، إعطاؤها السّلام.
مِمّن؟
من كلّ موهوب إياه.
كلّ بمقدوره إعطاء السّلام إن وُهِبَه.

إن وُهبتَ السلام فأنت يدُ الله.

وُهبتَه؟
هَبْه.
ألكلّ مُستحِقٌ له.

التواصل مع الذين ماتوا، معقول؟

ماتوا؟  لكم ارتحت لكلمة غابوا… لكم أنستُ بها…

يبقى الموت سرا كبيرا كما هي الحياة. التصالح معه لم يتمّ. تمّ مع القيامة. هذا يعني أن الموت يبقى عدوّا، ويبقى  آخر عدوّ يبطُل. الغلبة في المعركة معه لا تكون بتجاوزه، بل بالخروج من سردابه بعد الدخول إليه. ألدخول فعل محتوم لا مفرّ منه.

قناعتي أننا موتى عند دخولنا السرداب، أحياء عند خروجنا منه. في السرداب نحن في قبضة الموت. نصير غُيّابا عند تحرّرنا، إثر خروجنا …

مَن لا يخشَون نهاية الوجود الأرضيّ قلّة مُختارة. أو هي بالغة، واصلة، بفعل ممارستها الذاتيّة، ومجاهدتها الإختياريّة. ما نسمّيه النزاع يوجز فكرة التعلّق بالكيان الترابيّ واستصعاب الفراق إلى حدّ رفضه. هذا على أساس عدم فهمنا العميق لفكرة الحياة، واحتسابنا الذين غابوا عنا أمواتا لا لقاء لنا بهم، وجهلنا لكونهم – لاسيما إن كانوا قاماتٍ من نور –  يُسقطون علينا ثمارا سماويّة  لا ندرك غالبا في عتمة وجودنا مصدرَها.

بعد اكتمال مرحلة النزاع يكون الفراق. يكون الفراق بسقوط التراب كليّا من المُفارِق الراحل، فيُمسي نورا كاملا إن استحقّه واقتدر احتماله، وتكون بذلك استحالة تواصله مع الآخر الباقي في التراب.

باعتقادي، حالة التواصل المفقودة يمكن استعادتها بردم الهوّة بين المتحرّر من الترابيّة والحامل لأثقالها المشدود الى مغرياتها.

ردمُ الهوّة هذه فعلُ نضال لتخفيف وطأة الثقل الأرضيّ الترابيّ. هذا النضال هو مسؤوليّتنا نحن الترابيّين، المنتظرين، المتطلّعين إلى الرحمة، الراجين الخلاص والوصول إلى النور.

مَن انتقل إلى الرحمة – وبعد أن تذوّق حلاوة الإتصال بالنور، ونَعِمَ به، واستعاد الجمال الأول – لا يمكن له أن يعاود الحنين إلى التراب، وقد نجح في الخلاص منه. يستحيل عليه إذا أن يعاود الإتّصال بالكلمة، أو بالفكرة، مع من هو نزيل الوجود الأرضيّ الثقيل،  ولصيق الترابيّة القبيحة.

المسؤوليّة على الترابيّ الذي لا يزال عالقا في شراك هذا الوجود الأرضيّ إذا. عليه هو ممارسة فعل الجهاد المتواصل والتوق المتكامل والانسلاخ الإرادي عن حضن هذا العالم، فتخفّ َعنه قوّة التراب وجاذبيّته. يصير مُمَجّدا حتّى ولو إنه لا يزال في الجسد. يرتفعُ. يسمو. ينسكبُ الضياء عليه. نعم، ينسكبُ على جسده.  يصيرُ في منزلة علويّة تؤهّله لسماع العزيزَ الذي غاب،  أو لإسماعه.

بقناعتي هذه الوسيلة الوحيدة التي تتيح لنا التواصل مع الذين تحرّروا فغابوا، فتكونَ بيننا وبينهم مودّات، حتّى ولو إنهم باتوا في ضيافة الرحمن، بينما لا نزال ضيوف الأرض، لصيقي ترابها، نزلاء منازلها

صوتٌ وليس نداءً

كان النداء ورديا نديا
في ذلك الطفل الذي كنتُه.. أصاب قلبا طريا…
يتحرّى الطفل عن الصوت.. يتهجّى فيه نغماً.. شهيّا
يسألُ موجاتِ الأثير..
يلمحُه ساهرا في الفجر، في الأصيل
في عنفوان الخيل.. في الصهيل
في عين حمامة بيضاء.. في الهديل.
يلقاه..
يلقاهُ على الحدود.. ما بين البكاء والغناء..
بكاء الضعفاء
غناء الغرباء.
لا يسمعُ فيه ما ظنّه إيقاعا
ولا ما خاله إبداعا

Continue reading

الصوت الأول.. والأخير

عصر يوم من أيّام أيلول الماطره
في شارع من شوارع بيروت الفاخره
لأربعين سنة مضت
ناداني صوت
من على شرفة الطبقة الثانيه
لبيت راهبه…
.
كان في الصوت نعاس.. كنعاس الساهرين
وأجراس.. أجراس ميلادِ
تنادي…

Continue reading

رَبٌّ وشعبٌ وكتاب

وسلاحي يا أمّاه.. ما سلاحي؟

ريشةَ عصفور حييٍّ.. بنفسجيّ العين، مكسور الجناح

تستقي مِدادَها من جبيني.. من دمع دواتي

من قميص يوسفَ.. مصبوغا بلون حياتي

ولون حيواتي..

من شرايينَ مزّقها الذئبُ.. من جراحي..

من أكاليل الزهر..

من ماء البحرِ.. من حبل ذكرياتي

من لون قمري المكسورِ..

من حبي المهدور.. من دمي المُباحِ.

ريشة عصفور صديق.. ترسم، خارجَ كلّ المسافاتِ..

وفوقَ وبعدَ..

وفي ما يفوق، وما يسبق.. وما يتعدّى

كلّ الطقوس

وكلّ الدروس

وكلّ الدساتير والقوانين و النصوص..

ترسم بين النقاط والفواصل والسطور

قصّةَ شعبٍ بائسٍ مهزوم

يعيشُ بالشعارات

يموتُ لتحيا الزعامات

يفترشُ الطريقَ أمام السفارات..

ويسمّي هذا نصرا من الله.. وفخرا يدوم

إن هو حصل على  إذن مرور.

تخطّ بين النقاط والفواصل والسطور

حكايةَ شعبٍ بليّتُه الطوائفُ والعشائرُ والمذاهبُ.. والغرور

يتوكّل على رَبّ مُسِنّ غَضوبٍ.. يحبّ الإنتقام، َغيور

حاباهُ .. إستجدى رضاهْ ..

لا يكلّ..

لا يملّ من مدّ يديه.. لسماهْ

حرق له البخّور..

بنى له الكنائسَ

والجوامعَ..

نذر النذور..

وانزوى.. ينتظرُ الفرجَ من عُلاهْ.

قصةَ شعبٍ.. ألِفَ العيشَ في الحُفَر

بين اللحود والكفون…

ألِفَ العيشَ في القبور..

عبْرَ العصور..

وسْط الجماجم والنعوش.. والنقوش.. والصوَر

يهوى الطربَ والرقصَ.. ينتشي بالغناء..

يعبدُ الزعماء

يصفّقُ إن خطبوا.. لخطابهم

يفخرُ بقماش ثيابهم

يقوى بقواهم.. يسترُ فقرَه بغناهم

ويحتمي..

يحتمي بجلودهم من بردِ الشتاء.

يدعو.. هلمّوا، هُبّوا وصلّوا. إذا هُمُ اعتلّوا.. وهمْ منه براء

يفزع ويكبّر.. إن همْ عليه تكبّروا..

وتجبّروا..

يلطّم في رأسهِ

ويجرّحُ..

يبكي.. إذا ماتوا

يخشى من بعدِهِم على نفسهِ

من الذلّ من الهوانِ من الفناء..

يتبعُهم.. أعمى.. إلى الهاوية، إلى الفراغ، إلى الهباء، إلى الخِواء .

يأكلُ الرزّ بالخبزِ

ويعتزّ.. يعتزّ بما همْ فيه من العزِّ

ويسمّي هذا قَدَرا

وتقسيما من الربّ للرزق.. وهبةً منه.. وعطاء

وينسى..

وينسى أنّ ربّه مسنٌ هَرِمٌ.. وأنّ لا أملَ من أذنه الصَمّاء

وأنّ الإتّكالَ عليه هَراء..

وأنّ التوسّلَ إليه، والتسوّل على بابهِ لا يزيلُ البلاء…

هُبَّ يا شعبيَ المسكين هُبَّ..

أهتُكِ الحُجُبَ..

دعِ السماءَ للسماءْ

وافتحْ لنفسِك على الأرض دُرُبا..

كُفّ عن رفع الأيادي إلى الفضاءْ

عن التسلّي بنخرِ الأنوف وقتل الذباب..

والتسكّع في الملاهي..

والتمرّغ في التراب.

مزّق الأقنعةَ..

أزِلِ الحواجزَ.. فتّحِ الأبواب..

وانسَ..

إنسَ كلّ كلام عن ثَواب..

عن عِقاب..

هُبّ يا ساكنَ الوديان هُبّ..

إسأل السؤال..

إصعدِ الجبال..

إجتَزِ الهضاب.

هُبّ يا تابعَ الخصيان هُبّ..

حرّر الأحرار..

إتبع الأخيار..

نظّفِ الأثواب.

هُبّ يا عابدَ الأوثان هُبّ..

هُبّ يا سامعَ الأذان هُبّ..

واخترعْ..

إخترعْ لكَ من جديدِك ربّا..

ربّا يحرّضُك..

على  كسر القيود

وهدم السدود

وفتح الحدود

يحرّرك من قيد الحديد

ويعبُر بك..

من حياة العبيد

إلى سيادة العقل..

إلى عبادة الحرف، وتقديس الكتاب..