يسوع يحدد ماهية الزنى. الزنى في المخدع الزوجي..!

أخيراً كلّ في مكانه، وبطرس يفكّر في إمكانيّة المضيّ لارتداء ثوب جاف. ويقوم بذلك مع الثلاثة الآخرين. ولكنّه حال عودته إلى المعلّم من جديد، يرى المعطف الرماديّ للمرأة المحجّبة، ويتقدّم إلى زاوية العَنبر. لم يعد يفكّر سوى بالذهاب إليها، دون الاكتراث بوجوب قطع الدار بشكل قُطري تحت وابل المطر الغزير، وفي بِرك الماء التي تَصِل حتّى الرُّكَب، والقطرات الكبيرة التي تطرقه. يذهب لملاقاتها، يمسكها مِن مِرفقها دون زحزحة المعطف، ويأخذها إلى الأعلى، جانب جدار الغرفة، في مأمن من الماء، ثمّ ينتَصِب إلى جانبها جامداً بلا حراك مثل حارس خفير.
يراه يسوع. يبتسم، مخفضاً رأسه، لإخفاء بريق ابتسامته.

وهو الآن يتكلّم.

«أنتم يا من أتيتم لسماع تعليمي بشكل منتَظَم، لا تقولوا إنّني لا أتحدّث بحسب ترتيب الوصايا، وإنّني أتجاوز بعضها. إنّكم تُنصِتون. أرى ذلك. بل إنّكم تُنصِتون بشكل جيّد. إنّني أُعمِل فِكري في الآلام والجراح التي أراها فيكم، أنا الطبيب. والطبيب يتوجّه أوّلاً إلى مَن هُم أَبلَغ مَرَضاً، مَن هُم أكثر دنوّاً مِن الموت، وبعد ذلك يتوجّه إلى مَن إصابتهم أخف. وأنا أفعل كذلك.

واليوم أقول: ”لا تزن“.
لا تتلفّتوا حولكم مُحاوِلين قراءة كلمة “فاجر” على وجه أحدكم. كونوا محبّين بعضكم بعضاً. هل ترغبون في أن تُقرأ هذه العبارة على وجهكم؟ لا. إذن فلا تحاولوا القراءة في عين القريب المضطَرِبة، على جبهته الـمُحمَرّة والمنحنية إلى الأرض.

وثمّ… آه! قولوا، خاصّة أنتم أيّها الرجال: مَن منكم لم يَذق أبداً خبز الرماد والأقذار هذا الذي هو إشباع الحسّ؟ أما مِن فجور سوى ذلك الذي ينمو لساعة بين ذراعي خليلة؟ أليس فجوراً أيضاً انتهاك حُرمة الزواج مع الزوجة؟ انتهاك حُرمة، ذلك أنّه يجعل الرذيلة التي تَبحَث عن إشباع الحواسّ المتبادل شرعيّة، مع حجب النتائج التي تنجم عن الزواج؟ فالزواج هو مشاركة في عمليّة الخَلق، والفعل يعني وينبغي أن يكون إخصاباً. وكلّ ما هو خلاف ذلك فهو فسق. وعلينا ألّا نُحَوِّل الزواج إلى بيت دعارة، ذلك أنّه يصبح كذلك إذا ما لُوِّث بالشهوة ولم يُكرَّس بالأمومة. الأرض لا ترفض البذور. إنّها تتقبّلها وتجعل منها نباتاً. والبذور لا تترك الأرض المزروعة بعد أن تُرمى فيها، ولكنّها تُخرِج فيما بعد جَذراً يلتصق بها لينمو ويُشَكِّل سنبلة. والنبتة تُولَد مِن تزاوج الأرض والبذار. فالرجل هو البذار والمرأة الأرض، والسنبلة هي الطفل. ورفض إنتاج السنبلة وإضاعة قُوَّتها بشكل شهوانيّ، خطيئة. إنّها دعارة مرتَكَبَة على سرير الزوجيّة، وهي لا تختلف عن غيرها، ولكنّها أغلظ بفعل مخالفة الوصيّة القائلة: “كونوا جسداً واحداً وتكاثروا بأبنائكم”.

ترين إذن، أيّتها النساء العاقرات بإرادتكن، الزوجات الشرعيّات والشريفات، ليس في عيون الله بل في عيون البشر، ورغم ذلك يمكن أن تكنَّ فاجرات، وترتكبن الزنى كذلك، مع كونكن تُقِمْن مع العروس الأوحد، لأنكنّ لا تبحثن عن الأمومة، بل عن اللذّة، وفي أكثر الأحيان. لا يخطر ببالكنّ أنّ اللذّة سمّ نتجرّعه، وهو يأتي من فم مُعدٍ. يحرق بالنار التي، باعتقادنا أنّنا قد أُشبِعنا، تشقّ طريقها خارج إطار العائلة وتلتهم بأكثر نهماً على الدوام. إنّها تترك طعم رماد لاذعاً على اللسان. تسبّب القرف والغثيان واحتقار الذات والشريك في المتعة، لأنّ الضمير، حينما يصحو، وهو يصحو بين فورَتَين، لا يمكن أن يُوَلِّد سوى احتقار الذات التي انحَطَّت أدنى من الحيوان.

قيل: ”لا تزن“.
الزنى، في جزئه الأكبر، يَصدر عن الرجل. وأنا لن أتوقّف عند هذا الاتّحاد الذي لا يمكن تصوّره، وهو كابوس، وقد دَانَهُ سِفر الأحبار بهذه العبارات: “أيّها الرجل، أمّا الذَّكَر فلا تضاجعه مضاجعة النساء، إنّها رجاسة”، “ومع شيء من البهائم لا تجعل مضاجعتكَ ولا تتنجّس بها. ولا تقف امرأة أمام بهيمة لتنـزوها، إنها فاحشة”.

ولكن، بعد إيضاح واجب الأزواج إزاء الزواج الذي يفقد قدسيّته عندما، بمكر، يصبح غير خصيب، أَنتَهي إلى الحديث عن الزنى بمعنى الكلمة، بين رجل وامرأة، يجري فعله بخبث متبادَل وبأجر ماليّ أو عن طريق الهدايا.

إنّ الجسد الآدميّ هو مَعبَد رائع يحوي هيكلاً. وعلى الهيكل مكان لله الذي يُفتَرَض أن يكون موجوداً فيه. إنّما لا يمكن أن يُوجَد الله حيث يكون فساد. ففي جسد الزاني هيكل غير مُكَرَّس، ولا وجود لله فيه.

وهذا يُشبِه رجلاً سكراناً يتدحرج في حمأة الوحل وفي إقياءاته، فالرجل ينحدر بنفسه إلى بهيميّة الفساد ويصبح أسوأ من دودة ومن الحيوان الأكثر نجاسة. وقولوا لي ما إذا كان بينكم مَن فَسدَت أخلاقه إلى درجة أن يبيع جسده كما يباع القمح أو كما يباع الحيوان. فأي خير تكونون قد جنيتموه؟ اجعَلوا قلبكم بين أيديكم وتفحّصوه واستجوبوه وأنصتوا إليه وانظروا إلى جراحاته والألم الذي يجعله يرتعد، ثمّ تكلّموا وأجيبوني: هل كانت الثمرة لذيذة إلى الدرجة التي تستحقّ معها ألم القلب، ذاك الذي وُلِدَ نقيّاً، وقد أرغمتموه أنتم على العيش في جسد غير طاهر، نَجِس، أرغمتموه على الخفقان ليمنح الحياة والدفء للفجور واستخدمتموه في الرذيلة؟

قولوا لي: هل وَصَلَ بكم الفساد إلى درجة ألّا تَنتَحِبوا سِرّاً لدى سماع صوت طفل ينادي “ماما”، ولدى التفكير بأمّكنّ، يا نساء الهوى، الهاربات من البيت أو المطرودات منه كي لا تُفسِد الثمرة النتنة، بنتانتها، بقيّة الأولاد، بالتفكير بأمكنّ التي قد تكون ماتت من الألم ومن وجوب القول لنفسها: “لقد أنجَبتُ ولداً يسبّب لي العار”؟
ألم تشعرن بقلبكن ينفطر لدى التقائكن بعجوز يجعله شيب شَعره أهلاً للاحترام، والتفكير بأنكنّ رَشَقتُنَّ شعر أبيكنّ بالخزي والعار مثل وحل ملء اليدين، ومع الخزي والعار احتقار مسقط رأسه؟
ولكن ألا تشعرن بالندم يعصر أحشاءكنّ لدى رؤية سعادة زوجة أو براءة صبيّة ووجوب القول لذواتكنّ: “أنا قد ابتعَدتُ عن كلّ هذا ولن أحصل عليه مطلقاً!”؟
ولكن ألا تشعرن بالخزي يشوهّكنّ لدى مواجهتكنّ نظرة رجل مليئة طمعاً واحتقاراً؟
ولكن ألا تتحَسَّسنَ بؤسكنّ عندما تتعطّشن إلى قبلة طفل، ولا تجرؤن على القول: “أعطنيها”، لأنكنّ قتلتنّ حيوات كان ينبغي لها أن تولَد، وقد ألقيتنّ بها كحِملٍ مُنهِك ومضايقة لا طائل منها، فقمتنّ بفصلها عن الشجرة التي كانت قد حَمَلَتها، ورميها للمزبلة، والآن تصرخ هذه الحيوات الصغيرة في وجوهكنّ: “قاتلات!”؟
ولكن ألا ترتجفن بشكل خاصّ لدى التفكير بالديّان الذي خلقكنّ وينتظركنّ ليسأل كلّ واحدة بدورها: “ماذا فَعَلتِ بنفسكِ؟ ألأجل هذا مَنَحتُكِ الحياة؟ يا عُشّ الحشرات والنتانة، كيف تتجاسرين على الوقوف في حضرتي؟ لقد نلتِ كلّ ما كان بالنسبة لكِ آلهة: المتعة. اذهبي إلى حيث اللعنة الأبديّة”.

مَن يبكي؟
لا أحد؟ أتقولون: لا أحد؟ ومع ذلك فنفسي ماضية إلى لقاء نفس أخرى تذرف الدموع. لماذا تذهب هناك؟ أَلِتَرمي الحُرم على زانية؟ لا. بل لأنّ نفسها تثير شَفَقَتي. كلّ ما فيَّ أنا هو نفور مِن جسدها النَّجِس الذي يَرشَح عَرَقاً دَنِساً. ولكن نفسها!

آه! أيّها الآب! فَمِن أجل هذه النَّفس أيضاً قد تَجَسَّدتُ وتركتُ السماء لأكون فاديها وفادي نفوس كثيرة، أخوات لها! فلماذا لا ينبغي لي استقبال هذه النعجة الضالّة وأخذها إلى الحظيرة وتطهيرها وضمّها إلى القطيع ومنحها المراعي والحبّ الكامل، كما يمكن لحبّي فقط أن يكون؟ وهو المختلف تماماً عما كانت حتّى الآن تطلق عليه اسم حبّ، بينما لم يكن سوى حقد، إنّه حبّ شَفوق ومكتَمِل ولذيذ لدرجة لا تعود معه تبكي الزمن الماضي، أو تبكيه فقط لتقول: “لقد أضعتُ أيّاماً كثيرة بعيدة عنكَ، أيّها البهاء السرمديّ. من ذا الذي يعيد إليَّ الزمن الضائع؟ كيف أتذوّق، في الزمن القليل الباقي لي في الحياة ما كنت سأتذوّقه لو عشتُ عمري طاهرة؟”

ومع ذلك، فلا تبكي أيّتها النفس التي تركلها الأرجل بكلّ فجور العالم. اسمعي: أنتِ الآن حطام مُقَزِّز، إنّما يمكنكِ أن تصبحي زهرة. أنتِ الآن مزبلة، إنّما يمكنكِ أن تصبحي حديقة مُزهِرة. أنتِ الآن حيوان نَجِس إنّما يمكنكِ أن تصبحي ملاكاً. فلقد كنتِ كذلك يوماً ما. كنتِ ترقصين في الحقول الـمُزهِرة، وردة بين الورود، نَضِرَة مثلها، يفوح عطر عذريتكِ. وغَنَّيتِ بصفاء أغنيات طفولتكِ، ثمّ كنتِ تركضين إلى أمّكِ وأبيكِ وكنتِ تقولين لهما: “أنتما حبّي”. والحارس غير المرئي، الذي لدى كلّ خليقة إلى جانبها، كان يبتسم أمام ابيضاض نقاء نفسكِ.

ثمّ لماذا؟ لماذا انتزعتِ جناحيكِ وأنتِ بريئة صغيرة؟ لماذا دستِ بقدميكِ قلب أب وأُمّ لتلهثي خلف قلوب لم تكوني واثقة منها؟ لماذا جعلتِ صوتكِ الصافي ينحطّ بتلفّظه بعبارات كاذبة عن حبّ زائف؟ لماذا كسرتِ ساق الوردة بانتهاككِ حُرمة نفسكِ؟ توبي يا ابنة الله. فالتوبة تجديد وتطهير وانطلاقة إلى الأعالي. ألا يمكن لإنسان أن يَغفر لكِ؟ حتّى أبوكِ لا يمكنه ذلك؟ ولكنّ الله يمكنه. فلا مجال لمقارنة صلاح الله بالصلاح البشريّ، ورحمته أعظم بما لا نهاية له من بؤس الإنسان. كَرِّمي ذاتكِ بأن تجعلي نفسكِ أهلاً للشَّرَف، وذلك بممارسة حياة نزيهة وشريفة. بَرِّئي ذاتكِ لدى الله، بأن لا تعودي بعد تخطئين بحقّ نفسكِ. فليكن لكِ اسم جديد لدى الله. فهذا ما يمكنه أن يكون ذا قيمة. أنتِ الآن الرَّذيلة، فَصِيري النَّـزاهة والشَّرَف، صيري التضحية، صيري شهيدة توبتكِ. لقد عرفتِ جيداً جعل قلبكِ يستشهد ليستمتع الجسد. أمّا الآن فاعرفي كيف تجعلين جسدكِ يستشهد لتمنحي قلبكِ السلام الأبديّ.

اذهبي. امضوا جميعاً. كلّ مع وزره وفكره. فَكِّروا. فالله ينتظركم جميعاً، وهو لا يتخلّى عن أيّ مِن الذين يتوبون. فليمنحكم الربّ النُّور لتعرفوا نفسكم. امضوا.»

يمضي كثيرون منهم صوب البلدة. يَدخُل آخرون الغرفة. أمّا يسوع فيذهب إلى المرضى ويشفيهم.

انشودة الانسان الاله – فالتورتا = الجزء 2 = الفصل 90.

عن الثورة.

لا تثوروا في وجه الذين يحكمونكم. فليس في الثورة على الحاكمين تتعاظم الدول وتتحرّر، بل بسلوك المواطنين بقداسة يتمّ الحصول على معونة الربّ. هو يستطيع أن يلمس قلوب الحاكمين، ينتزع منهم مركزهم أو حتّى حياتهم، كما حصل مرّات عدّة عبر تاريخنا، عندما يتجاوزون الحدود، وخاصّة عندما يستحقّ الشعب بتقديس ذواتهم غفران الله، الذي، لأجل ذلك، يرفع الظلم الذي كان يضني الذين عوقبوا.

انشودة الإله الإنسان. فالتورتا 5/73

في العلاقات العائليّة.

لا تسيئوا إلى الله بإساءة استخدام الحياة التي وهبكم، بتدنيسها بأفعال سيّئة تلحق العار بالإنسان. لا تهينوا أهلكم بسلوك يرمي الوحل على شعرهم الأبيض وبجذوات مشتعلة على أيّامهم الأخيرة. لا تسيئوا إلى الذين يفعلون لكم الخير كي لا Continue reading

عن الصداقة.

كونوا مستقيمين مع أصدقائكم. فالصداقة هي قربى النفوس. قيل: “جميل هو مسير الأصدقاء معاً”. ولكنّه يكون جميلاً إذا كان المسير على طريق الصلاح. الويل لمن يُفسد أو يخون الصداقة بجعله منها أنانيّة أو غدراً، أو رذيلة أو إجحافاً. كثيرون جدّاً هم الذين يقولون: “أحبّك” لمعرفة أعمال الصديق والاستفادة منها! كثيرون جدّاً هم الذين يستولون على حقوق الصديق!
انشودة الإله الإنسان. فالتورتا. 5 / 73

نزيهين: في البيع والشراء.

كونوا نزيهين في البيع والشراء.
في البيع تقول لكم الشهوة: “اسرق لتكسب أكثر”، بينما يقول لكم الضمير: “كن نزيهاً لأنّك تمقت أن تُسرَق”، اصغوا إلى هذا الصوت الأخير، متذكّرين أنّه يجب ألاّ نفعل للآخرين ما لا نريد أن يفعلوه لنا. فالمال، الذي يعطى لكم بديلاً عن البضاعة، هو في الغالب مغطّس في عرق ودموع الفقير Continue reading