ماريا فالتورتا في رؤيا عن المسيح يحاور يونانيين عن سقراط

يسوع وإلى جانبه يهوذا يُناوله الخبز المغمَّس في الصلصة الموجودة في طبق اللحم المشويّ. أثناء تناولهم الزيتون الأسود الصغير، يَسمَعون طرقاً على الباب. بعد قليل تَدخل ربّة البيت وتقول: «يا معلّم، يريدونكَ أنتَ.»

«

مَن يكونون؟

Continue reading

بطرس الصيّاد يثقف الاسخريوطي” الداعشي”.

«ولكن اسمحوا لي أن أعرف ما هو إله سمعان الغيور الكامِن.» الاسخريوطيّ الذي لم يتمكّن من الإجابة على ملاحظة يوضاس بن حلفا، يُحاول إعادة السؤال إلى نقطة البداية.

يقول سمعان الغيور: «حسب مفاهيمنا، يجب أن تكون هناك على الدوام عبارة لإدراك فِكرة ما. وكلّ منّا، أتحدّث عنّا نحن المؤمنين، يؤمن بقوّة الإيمان بالربّ تعالى والخالِق، الله الأزليّ الذي في السماء. ولكن كلّ كائن يحتاج إلى أكثر مِن هذا الإيمان العاري، النقيّ، غير الجسديّ، الأهل والكافي للملائكة الذين يَرَونَ الله ويحبّونه روحيّاً، متقاسِمِين معه الطبيعة الروحيّة، ومالِكِين القدرة على مشاهدة الله. أمّا نحن فإنّنا نحتاج إلى خَلق “صورة” لله. وهذه الصورة مؤلّفة من المزايا الأساسيّة التي نُسبِغها على الله لنُطلِق اسماً على كماله المطلق واللامتناهي. وكلّما رَكَّزَت النَّفْس، كلّما توصَّلَت إلى الدقّة في معرفة الله. وهذا ما أُعبِّر عنه “بالإله الكامِن”. لستُ فيلسوفاً. قد لا تنطبق العبارة تماماً. إنّما على كلّ حال، فالإله الكامن بالنسبة إليَّ هو الشعور بالله، هو إدراك الله في روحنا، والشعور به وإدراكه، ليس كفكرة مجرّدة، بل كوجود حقيقيّ يمنحنا قوّة وسلاماً جديداً

«حسناً، كيف حصلتَ على الشعور به؟ وما الفرق بين الشعور بالإيمان والشعور بالكُمُون؟» يسأل الاسخريوطيّ ساخِراً قليلاً.

«الله هو الأمان يا وَلَد» يقول بطرس. «وعندما يكون لديكَ الشعور الذي يتحدّث عنه سمعان باستخدامه تلك العبارة التي لا أفهمها لغوّياً، ولكنّني أُدرِك روحها -وثق تماماً أنّ السوء فينا يكمن في إدراك الحَرف وليس الروح في كلام الله- هذا يعني أنّكَ تنجح في إدراك، ليس فقط مفهوم عَظَمَة الله الرهيبة، بل أُبوَّته العَذبة للغاية. وهذا يعني أنّ لديكَ الشعور بأنّه، عندما يحاكمكَ العالم بأسره ويدينكَ ظُلماً، فواحد فقط، هو الأزليّ، الذي هو أب لكَ، لا يحاكمكَ، بل يغفر لكَ، وهذا يعني أنّ، في عزلتكَ في السجن أو في الصحراء، فإنّكَ تشعر على الدوام أنّ أحداً يحدّثكَ ويقول لكَ: “كُن قدّيساً لتكون مثل أبيكَ”، وهذا يعني أنّنا، بحبّ حقيقيّ لله الآب الذي نتوصّل في النهاية إلى إدراكه هكذا، نرضى ونعمل، نأخذ أو نترك، دون مقاييس بشريّة، دون التفكير سوى بردّ حبّ من أجل الحبّ، والتَّمَثُّل بالله قدر الإمكان في أفعاله الخاصّة

«يا لكَ مِن متكبِّر! التَّمَثُّل بالله! هذا غير مُعطى لكَ.» يُقدِّر الاسخريوطيّ.

«هذا ليس كبرياء. فالحبّ يقود إلى الطاعة. والتَّمَثُّل بالله يبدو لي شكلاً من أشكال الطاعة، لأنّ الله يقول إنّه خَلَقَنا على صورته كمثاله.» يجيب بطرس.

«لقد خَلَقَنا. ونحن علينا ألّا نرتَفِع أكثر.»

«ولكن كم أنتَ تعيس، أيّها الولد، إذا كنتَ تفكّر هكذا! إنّكَ تنسى أنّنا ساقِطون، والله يريد إعادتنا إلى ما كنّا عليه.»

فيأخذ يسوع زمام الحديث: «وأكثر أيضاً يا بطرس، ويا يهوذا والجميع. لقد كان كمال آدم كذلك قابلاً لأن يتعاظَم بفضل الحبّ الذي كان سيقوده إلى صورة أكثر دقة لخالقه. فآدم، دون وصمة الخطيئة، كان سيصبح مرآة نقيةّ جدّاً لله. لأجل ذلك أقول لكم: “كونوا كاملين كما أنّ أباكم السماويّ هو كامل”، كما الآب، كما الله. لقد أحسَنَ بطرس القول، وكذلك سمعان. أرجوكم تذكّروا كلامَهُما وطبِّقوه على نفوسكم.»

توشِك زوجة بطرس أن يُغمى عليها من الفرح لدى سماعها مديح زوجها هكذا. تبكي خلف وشاحها ساكنة ومغتَبِطَة. ويبدو بطرس وكأنّه أصيبَ بنوبة السكتة لشدّة احمراره.

انشودة الانسان الاله.
ج 3 ف 45
07 / 06 / 1945

سمعان الغيور يتحدث عن برّه الذاتي وبرّ الله.

بطرس يتحدث عن اليهود:
لِتتويج كبريائهم سوف يَعمَدون إلى الافتراء والاضطهاد. آه! لقد بَدَأتُ أحسُّ بذلك مسبقاً. اضطهادنا لتشتيتنا كشهود ممقوتين. وبما أنّهم سيهاجِمون الحقّ غدراً، فسوف ينتقم الله، وسيَهلَكون.»

«هل ستكون لنا القدرة على الصمود؟» يسأل توما.

«أمّا أنا… فلستُ أملكها، ولكنّني أعتمد عليه.» ويشير بطرس إلى المعلّم الذي يصغي ويَصمت واقفاً وحانياً رأسه قليلاً، كما ليخفي وجهه الذي يبدو عليه التأثر.

«أظنّ أنّ الله لن يُعرِّضنا لتجارب تفوق قدراتنا.» يقول متّى.

«أو على الأقلّ سوف يزيد القُدرات بنسبة التجارب.» هذا ما يَخلص إليه يعقوب بن حلفا.

«إنّه يقوم بذلك بالفِعل، فلقد كنتُ ثريّاً وذا نفوذ. ولو لم يكن الله يبغي الاحتفاظ بي لمقاصده، لكنتُ هلكتُ يائساً عندما أضحيتُ أبرصاً مضطَهَداً. لقد ضَغَطتُ على نفسي… وعوضاً عن ذلك، هَبَطَ على انهياري الكامل ثَراء جديد لم أكن قد حصلتُ عليه مِن قَبل: غِنى اليقين: “الله موجود”. سابقاً… الله… نعم، كنتُ مؤمناً. كنتُ إسرائيليّاً أميناً. ولكنّه كان إيماناً شكليّاً. كان يبدو لي أنّ أجره، على الدوام، كان أدنى مِن فضائلي. كنتُ أسمح لنفسي بمناقشة الله، لأنّني كنتُ ما أزال أعتبر نفسي مهمّاً على الأرض. سمعان بطرس على حقّ. فأنا كذلك كنتُ أبني برج بابل بالمدائح الذاتيّة وإرضاء الأنا لديّ. عندما انهار كلّ شيء عليَّ، وقد أصبحتُ دودة مُنسَحِقة تحت ثِقل كلّ هذه الأمور البشريّة التي لا طائل منها، حينئذ لم أعد أناقش الله، بل أناقش ذاتي، ذاتي المجنونة، وانتهيتُ إلى تقويضها. وكلّما كنتُ أفعل ذلك، سائراً على الدرب المؤدّي إلى ما كنتُ أُفكِّر أنّه الإله الكامن فوق كياننا كأرضيِّيِن، وكنتُ أُصادِف قُدرة، غِنى جديداً. اليقين بأنّني لم أكن وحدي، وأنّ الله كان يسهر على الإنسان المقهور مِن الإنسان، ومِن الشرّ.»

يسوع يتحدث عن الطلاق وعن التعفف والمخاواة بين الزوج والزوجة.

«ما الذي تريدون معرفته؟»

«كنّا نريد معرفة ما إذا كان مسموحاً للرجل أن يُطلِّق امرأته لسبب ما. هذا أمر يحدث غالباً، وفي كلّ مرّة تَحدُث جَلَبة حيث يَحصل. والناس يقصدوننا لمعرفة ما إذا كان ذلك مسموحاً به، ونحن نُجيب بحسب الحالات.»

«مع الموافقة على أن يتمّ ذلك في تسعين بالمائة مِن الحالات. والعشرة بالمائة من الحالات التي لم توافِقوا عليها فهي إمّا لفقراء وإمّا لأعداء لكم.»

«كيف عرفتَ؟»

«لأنّ الأمور تسير على هذا المنوال في كلّ المسائل البشريّة. وأُضيف فئة ثالثة: تلك التي كان الطلاق مسموحاً فيها، فهو يبرَّر أكثر، تلك التي يكون فيها لأوضاع أليمة، كما في حالات برص غير قابل للشفاء، حُكم مدى الحياة، أو مَرَض مُخجِل…»

«إذن، بالنسبة إليكَ، هو غير مسموح به على الإطلاق؟»

«لا بالنسبة إليَّ ولا بالنسبة إليه تعالى، ولا بالنسبة إلى أيّ نَفْس مستقيمة. ألم تقرؤوا أنّ الخالق، في بدء الزمان، خَلَقَ الرجل والمرأة؟ وأنّه ذَكراً وأنثى خَلَقَهما. لم يكن في حاجة لأن يَفعَل ذلك. كان يمكنه أن يَخلق لِمَلك الخليقة، المخلوق على صورته كمثاله، طريقة أُخرى للإنجاب، وكانت ستبقى صالحة مع كونها مختلفة عن أيّة وسيلة طبيعيّة أخرى. وقال: “لهذا يَترك الرجل أباه وأمّه ويلزم امرأته فيصيران كلاهما جسداً واحداً”. لقد جمعهما الله في وحدة فريدة. فَلَم يَعودا إذن جسدين “اثنين” بل هما جسد “واحد”. وما جَمَعَه الله، لأنّه رأى أنّه “أمر حسن”، لا يفرّقه إنسان، لأنّه لو حَصَلَ لما عاد أمراً حسناً.»

«ولكن لماذا قال موسى إذن: “إذا اتَّخَذَ رجل امرأة ولم تجد رضا في عينيه لأمر ما مُخجِل، فليكتُب لها كتاب طلاق ويسلّمها إيّاه في يدها، ويعيدها إلى بيتها”؟»

«مِن أجل قسوة قلوبكم كَتَبَ لكم هذه الوصية، مِن أجل تحاشي قلاقل جسيمة جدّاً. لذلك سَمَحَ لكم بطلاق نسائكم. إنّما في البدء لم يكن الأمر هكذا. ذلك أنّ المرأة ليست كما أنثى الحيوان، التي تخضع بحسب مشيئة صاحبها أو الظروف الطبيعيّة الحرّة لهذا أو ذاك مِن الذكور، إنّها ليست جسداً دون نَفْس تتزاوج مِن أجل الإنجاب. فلدى نسائكم نَفْس كالتي لديكم، وليس عدلاً أن تدوسوها دون شفقة. وإذا ما قيل لها في إدانتها: “تخضعين لسلطان بعلك (إلى بعلكِ تنقاد أشواقكِ) وهو يسود عليكِ”، فينبغي أن يحصل ذلك بموجب العدل والاستقامة، وليس بحسب الاستبداد الذي يهضم حقوق نَفْس حرّة وجديرة بالاحترام.

أنتم، بممارستكم الطلاق في الوقت الذي هو غير مسموح به، تُهينون نفس شريككم، تُهينون الجسد التوأم الذي اتّحد بجسدكم، أي تهينون المرأة بكلّيّتها، تلك المرأة التي تزوّجتم، وقد تشدّدتم في أمر عفّتها، بينما أنتم، أيا أيّها الكاذبين في عهودكم، تَمضون إليها وقد تسربلتم العار، وقد أصبحتم وضيعين وأحياناً فاسدين، وتستمرّون في ذلك، مستغلّين كلّ فرصة لتجرحوها، مطلقين العنان لشهواتكم التي لا تقف عند حدّ. تجعلون مِن نسائكم عاهرات! لا. لا يمكنكم الافتراق عن المرأة التي اتّحدتم بها بموجب الشريعة والبركة لأيّ سبب كان. ولا يكون ذلك إلاّ في حال لمستكم النعمة، أي عندما تُدرِكون أنّ المرأة ليست شيئاً نمتلكه، بل هي نَفْس، وبالتالي فحقوقها مساوية لحقوقكم، بالاعتراف بها كجزء مُكمِّل للرجل، وليست غرضاً للمتعة، وفقط في حال كون قلبكم بَلَغَ درجة مِن القسوة لا يعود معها قادراً على رفعها إلى مرتبة الزوجة بعد الاستمتاع بها وكأنّها عاهر، وفقط مِن أجل تحاشي عار مساكنة شخصين دون بركة الله لاتّحادهما، يمكنكم أن تصرفوا امرأة. لأنّ الأمر في تلك الحالة لا يعود يعني اتّحاداً، بل فسقاً، وهو في الغالب لا يتكلّل بالأطفال الذين يتمّ تفادي إنجابهم بأساليب مضادّة للطبيعة أو إجهاضهم (التخلّي عنهم) وكأنّهم مجلبة للعار.

ليس في أيّ حال آخر، ليس في أيّ آخر. ذلك أنّه لو كان لكم أولاد غير شرعيين مِن خليلة، فَمِن واجبكم وضع حدّ للفضيحة بالزواج منها إذا كنتم غير مرتبطين. لا أتوقّف عند الزنى المقترف على حساب امرأة جاهلة. فهذا يستوجب حجارة الرجم ونيران شيول (الهاوية). أمّا بالنسبة إلى الذي يصرف زوجته الشرعيّة لأنّه شَبع منها ويتزوّج بأخرى، فهذا ليس سوى فاسق زانٍ. وكذلك الذي يتزوّج مِن امرأة مطلَّقة، ذلك أنّ الرجل إذا ما ادّعى لنفسه حقّ تفريق ما جمعه الله، فالوحدة الزوجيّة تستمرّ في عيني الله، وملعون هو الذي يتّخذ أُخرى وهو لم يصبح بعد أرملاً. وملعون هو الذي، بعد أن يُطلّق زوجته، بعد أن يتركها لمخاطر الحياة التي تجعلها ترضى بزواج آخر لتأمين قوتها، يعود ليأخذها بعد أن تُصبح أرملة الزوج الآخر. ذلك أنّها، رغم كونها أرملة، فقد أصبحت زانية بسبب خطيئتكم، وأنتم تُضاعِفون زناها.

هل فهمتم، أيّها الفرّيسيّون الذين تجرّبونني؟»

«إنَّ الرجل صارم. لو كان في روما لرأى حمأة أكثر نتانة تتخمّر.» يقول أحد الرومان.

يُهمهِم بعض رجال جدرة كذلك: «إنّه لأمر صعب أن يكون المرء رجلاً إذا ما توجّب عليه أن يكون عفيفاً هكذا!…»

وآخرون يقولون بصوت أعلى: «إذا كان هذا هو وضع الرجل بالنسبة إلى المرأة، فالأفضل له ألاّ يتزوّج.»

وقد تبنّى الرُّسُل كذلك هذا الرأي بينما هُم يُعاودون السير صوب الريف، بعد مغادرتهم أهالي جدرة. يهوذا يتحدّث عن ذلك باحتقار. يعقوب يتحدّث باحترام ورويّة. ويسوع يُجيب هذا وذاك: «لا يُدرك الجميع ذلك، ولا الذين يفهمونه، يفهمونه كما يجب. بالفعل، البعض يفضّلون العزوبية ليكونوا أحراراً في إشباع رذائلهم. آخرون لتحاشي ارتكاب الخطيئة، بعدم كونهم أزواجاً صالحين. إنّما هناك البعض فقط مُنِحوا إدراك جمال الخلوّ مِن الشهوانيّة وحتّى مِن الرغبة النـزيهة بالمرأة. وهؤلاء هُم الأكثر قداسة، الأكثر حريّة، والأكثر ملائكيّة على الأرض. أتحدّث عن الذين يخصّون أنفسهم مِن أجل ملكوت الله. مِن الرجال مَن يُولدون كذلك؛ آخرون يُجعَلون كذلك. الأوّلون لديهم تشويه خلقيّ مثير للشفقة، بالنسبة إلى الآخرين هو تعسُّف مُدان. ولكن هناك الفئة الثالثة: فئة المخصيّين بإرادتهم الذين بغير عنف، وبالتالي بأجر مضاعف، يعرفون أن يتبنّوا طلب الله ويعيشون كالملائكة كيما يبقى في هيكل الأرض المهجور زهور وبخور للربّ. أولئك يرفضون إشباع الجزء الأدنى مِن كيانهم كي ينمو الجزء الأعلى، الذي به يُزهِرون في السماء، في الزهراء الأقرب مِن عرش الـمَلِك. الحقّ أقول لكم إنّهم ليسوا مشوّهين، ولكنّهم موهوبون بما يفتقده أغلب الرجال. ليست الأشياء المحتقرة ببلاهة، بل بالحريّ ذات الإجلال العظيم. فليفهم ذلك مَن عليه أن يفهمه ويحترمه، إذا ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.»

المتزوّجون مِن الرُّسُل يُهمهِمون فيما بينهم.

«ماذا بكم؟» يَسأل يسوع.

«ونحن؟» يَسأل برتلماوس باسم الجميع. «لم نكن نعرف ذلك واتّخذنا لنا نساء. إنّما يرضينا أن نكون كما تقول…»

«ليس محظوراً عليكم أن تكونوا كذلك الآن. عيشوا في العفاف وأنتم تَرَون في شريكتكم أختاً، وستنالون أجراً عظيماً في عيني الله. ولكن أَسرِعوا الخُطى لنصل إلى بيللا قبل المطر.»

مشهد لقاء يسوع الصبيّ مع علماء الهيكل.

يسأله هيليل: «علامَ تبني تأكيدكَ على ان المسيح بات هنا؟»

يسوع: «على النبوءة التي لا يمكن أن تخطئ بالزمن. وعلى الدلالات التي رافَقَتها عندما حان موعد تحقيقها. صحيح أنّ قيصر يسيطر علينا، ولكن العالم كان مستكيناً جدّاً وفلسطين هادئة جدّاً عندما انتهت الأسابيع السبعون، حتّى أمكن لقيصر أن يأمر بإجراء إحصاء في ممالكه. لم يكن ليستطيع ذلك لو أنّ حرباً كانت مشتعلة في إمبراطوريّته، أو أنّ ثورة كانت قائمة في فلسطين. وبما أنّ الزمن كان قد تمّ هكذا فستتمّ الفترة الأخرى، الأسابيع الإثنان والستون وزيادة واحد منذ إكمال بناء الهيكل، لكي يكرّس الماسيا وتتحقّق تتمّة النبوءة في الشعب الذي لم يقبله. هل يمكنكم الشكّ في ذلك؟ هل تذكرون النجم الذي رآه حكماء الشرق، والذي تَوَضَّع تماماً في سماء بيت لحم قضاء يهوذا، وأنّ النبوءات والرؤى منذ يعقوب وما تلاه تحدّد هذا المكان كمختار لاستقبال ولادة الماسيا ابن ابن ابن يعقوب عَبر داود الذي كان من بيت لحم؟ ألا تذكرون بلعام؟ “نجم يولد من يعقوب”. حكماء الشرق الذين فَتَحَت الطهارة والإيمان عيونهم وآذانهم قد رأوا النجم وعرفوا اسمه: “ماسيا”، وأتوا ليسجدوا للنور الذي أضاء العالم.»

ينظر إليه سياماي ممتقعاً: «أتقول إنّ ماسيا قد وُلِد في زمن النجم في بيت لحم إفراتا؟»

يسوع: «لقد قلتُ ذلك.»

سياماي: «إذاً فَلَم يعد له وجود. ألا تعلم أيّها الصبيّ أن هيرودس قد قَتَلَ الأطفال الذكور من ابن يوم حتّى سنتين في بيت لحم وما يحيط بها؟ أنتَ الذي تعرف الكتاب جيّداً ويجب أن تعرف هذا جيّداً: “صراخ يعلو… راحيل تبكي على بنيها”. وديان بيت لحم وتلالها تَقَبَّلَت عويل راحيل المائتة، وبقي هذا العويل يملؤها. وقد رَدَّدَته الأمّهات على أطفالهنّ المقتولين. وبينهنّ بكلّ تأكيد كانت أمّ ماسيا.»

يسوع: «أنتَ تخطئ أيّها العجوز. فبكاء راحيل قد تبدَّل بـــ “أوشعنا”. لأنّ راحيل الجديدة التي وَلَدَت “ابن الآلام” مَنَحَت للعالم الابن المفضّل للآب السماوي، ابن يمينه، الذي اختير ليجمع الشعوب تحت سيادته ويحرّرها من العبوديّة الرهيبة.»

سياماي: «وكيف ذلك إذا كان قد قُتِل؟»

يسوع: «ألم تقرأ ما كُتِبَ عن إيليا؟ لقد رُفِع في عربة من نار. والربّ الإله، ألا يستطيع إنقاذ عمانوئيل ليكون ماسيا شعبه؟ وهو الذي شقّ البحر أمام موسى ليصل إلى إسرائيل أرضه بقدمين جافّتين؟ ألم يكن باستطاعته أن يأمر الملائكة فتنقذ ابنه، مسيحه من وحشيةّ الإنسان؟ الحقّ أقول لكَ: المسيح حيّ بينكم وعندما تأتي ساعته سوف يَظهَر بقدرته.» وعندما قال يسوع تلك الكلمات التي أَشَرتُ إليها، كان صوته يُجَلجِل ويملأ المكان، عيناه تلمعان أكثر من المعتاد، وبما أنّه كان متأثّراً بالقدرة والوعد فقد مَدّ ذراعه ويده اليمنى كما للقسم. إنّه طفل ولكنّه وقور وقار رجل كهل.

هيليل: «من لَقَّنَكَ هذا الكلام أيّها الصبيّ؟»

يسوع: «روح الله. ليس لي معلّم بشريّ. وما تسمعونه من شفتيّ ما هو إلا كلام الله.»

هيليل: «تعال بيننا لأراكَ عن قرب أيّها الصبيّ! لقد أُنعِش رجائي باحتكاكه بإيمانكَ، ونفسي تستضيء بشمس نفسكَ.»

وأُجلِسَ يسوع على كرسي مرتفع بين جملائيل وهيليل، وأتوا إليه بلفافات ليقرأها ويشرحها. إنّه امتحان في القانون والشريعة. فتدافَعَت الجموع لتستمع.

ويقرأ يسوع بصوته الطفوليّ: «”تَعزَّ يا شعبي. تحدّثوا إلى قلب أورشليم، واسوها فإنّ عبوديتها قد انتهت… صوت صارخ في البرية: أعِدّوا طريق الربّ… حينئذ يَظهَر مجد الربّ…”»

سياماي: «انظر أيّها الناصريّ! هنا يجري الكلام عن العبوديّة التي انتهت. ولم نكن في يوم عبيداً كما نحن الآن. وكذلك الكلام عن سابق. أين هو؟ إنّكَ تهذي!»

يسوع: «أقول لكَ إنَّ السابق يدعوكَ أنتَ أكثر من الآخرين، أنتَ وأمثالكَ. وإلّا فلن ترى مجد الربّ ولن تفهم كلام الله، لأنّ الدناءة والكبرياء والنفاق يحجبون عنكَ الرؤية والإنصات.»

سياماي: «أهكذا تتكلّم مع معلّم؟»

يسوع: «هكذا أتكلّم وهكذا سوف أتكلّم حتّى الممات. ذلك أن فوق مصلحتي هي مصلحة الربّ وحبّ الحقّ الذي أنا ابنه. وأُضيف لكَ أيّها الحاخام إنّ العبوديّة التي يتكلّم عنها النبيّ والتي أتكلّم عنها أنا أيضاً ليست تلك التي تظنّها أنتَ، والملك كذلك ليس الذي تفكر فيه أنتَ. إنّما على العكس، فباستحقاقات ماسيا يتحرّر الإنسان من عبوديّة الشرّ الذي يفصله عن الله، وشخصيّة المسيح تنطَبِع على النفوس الـمُحَرَّرة من كلّ نير والخاضعة لملكه الأزليّ. كلّ الأمم تنحني، يا ذريّة داود، أمام البذرة المولودة منكَ والصائرة شجرة تغطّي الأرض كلّها وترتفع إلى السماء. كلّ فم في السماء وعلى الأرض يمجِّد اسمه، وكلّ ركبة تجثو أمام المقدَّس من الله، أمير السلام، ذلك الذي تنتشي منه كلّ نفس تَعِبة وتشبع به كلّ نفس جائعة، القائد القدّوس الذي يقيم رابطة بين السماء والأرض، ليست كتلك التي أُنجِزَت مع آباء إسرائيل عندما أخرجهم الله من مصر، بمعاملتهم كعبيد، إنّما بطبع فكرة الأبوّة السماويّة، في نفوس البشر مع النعمة المتدفّقة حديثاً فيهم باستحقاقات الفادي الذي به يَعرف الربّ الأخيار، وهيكل الله لن يُهدَم ولن يُدَمَّر.»

سياماي: «ولكن لا تجدّف أيّها الصبيّ! تذكّر دانيال. إنّه يقول إنّ بعد موت المسيح سيدمّر على يد شعب وقائد يأتي لهذا الغرض، وأنتَ تجزم أنّ هيكل الله لن يُهدَم! احترم الأنبياء!»

يسوع: «الحقّ أقول لكَ إنّه يوجد مَن هو أعظم من الأنبياء وأنتَ لم تعرفه ولن تعرفه لأنّ الرغبة في معرفته تنقصكَ. وأؤكّد لكَ أنّ كلّ ما قُلتُه حقّ. لن يعرف الهيكل الحقيقيّ الموت. ولكنّه مثل الذي يقدّسه يقوم من الموت إلى الحياة الأبديّة، وفي نهاية العالم يَحيَى في السماء.»

هيليل: «اسمع أيّها الصبيّ. يقول حجاي: “… ويأتي الذي تتمنّاه الأمم جميعاً. وسيكون مجد ذاك البيت الأخير أعظم من الأوّل”. هل يُحتَمَل أن يكون الهيكل الذي أراد الحديث عنه هو نفسه الذي تتكلّم عنه أنتَ؟»

يسوع: «نعم، يا معلّم، هو هذا ما كان يريد قوله. إنّ استقامتكَ تُسَيِّركَ في طريق النور، وأنا أقول لكَ: عندما تتمّ تضحية المسيح يأتيكَ السلام لأنّكَ إسرائيليّ لا غشّ فيكَ.»

جملائيل: «قل لي يا يسوع. السلام الذي يتكلّم عنه الأنبياء، كيف يمكن الرجاء به إذا كانت الحرب ستقوم لتُدَمِّر هذا الشعب؟ تكلّم وأَنِرني أيضاً.»

يسوع: «ألا تذكر أيّها المعلّم ما قاله أولئك الذين حَضَروا ليلة ولادة المسيح؟ ما رَتَّلَته جموع الملائكة: “السلام للناس ذوي الإرادة الحسنة”. ولكنّ إرادة هذا الشعب ليست حسنة ولن يكون لـه سلام. سوف يتنكّر لملكه العادل المخلّص، لأنّه ينتظر ملكاً يرتدي القدرة البشريّة بينما هو ملك الروح. هذا الشعب لن يحبّه لأنّ المسيح سيكرز بما لا يروق لـه. لن يحارب المسيح أعداء مجهّزين بعربات وخيل، إنّما أعداء النفس الذين ينحدرون بقلب الإنسان المخلوق للربّ، إلى المتعة الدنيا. وليس هذا هو النصر الذي ينتظره منه شعب إسرائيل. سيأتي ملكك، يا أورشليم، راكباً “أتاناً وجحشاً”، يعني أبرار إسرائيل والوثنيّين. ولكنّ الجحش، أقول لكم، يكون أكثر وفاء له ويتبعه سابقاً الأتان، وينمو على طريق الحقّ والحياة. سوف تفقد إسرائيل السلام بسبب سوء إرادتها وتتألّم في ذاتها على مدى قرون بالذي جَعَل ملكها يتألّم جاعلاً إيّاه بسببهم رجل الآلام الذي يتكلّم عنه اشعيا.»

سياماي: «فمكَ أيّها الناصريّ يتفوّه بأقوال صبيانيّة وتجديفات، أجبني: أين هو السابق؟ متى حصلنا عليه؟»

يسوع: «إنه موجود. ألم يقل ملاخي: “ها أنا ذا مُرسِل ملاكي، فيهيّئ الطريق أمامي، وفي الحال يأتي إلى هيكله السيد الذي تلتمسونه وملاك العهد الذي ترغبون به بحرارة”؟ إذاً فالسابق يأتي مباشرة قبل المسيح. ولقد أصبَحَ هنا كالمسيح. فلو كان الفارق سنوات بين الذي يهيّئ الطريق للربّ والمسيح لتعرقَلَت كلّ الطرق وانحَرَفَت. الله يعرف ذلك وقد قرّر أن يسبق السابق المعلّم بساعة واحدة فقط. عندما ترون هذا السابق ستستطيعون القول: “إنّ رسالة المسيح قد ابتدأت”. ولكَ أقول: سيفتَح المسيح أعيناً كثيرة وآذاناً كثيرة عندما يأتي في طرقه. ولكنّها لن تكون تلك التي لكَ ولأمثالكَ. ذلك أنّكم ستَهِبونه الموت مقابل الحياة التي يحملها إليكم ولكن، حينئذ، سيكون الفادي على عرشه وعلى هيكله أعظم من هذا الهيكل وأسمى من تابوت العهد المحتَجَز في قدس الأقداس، وأرفع من المجد الذي يحميه الشيروبيم. واللعنة لقَتَلة الله، والحياة سوف تتدفّق للأمم من جراحاته الألف والألف. ذلك أنّه، يا أيّها المعلّم الذي يجهله، أكرّر ذلك، ليس ملك مملكة بشريّة، بل إنّما هو ملك روحيّ، وأتباعه سيكونون فقط الذين يعرفون بحبّهم أن يولَدوا من جديد بالروح، ومثل يونان، بعد الولادة الأولى، يولدون من جديد على شواطئ أخرى، أتباع الله عبر الولادة الجديدة بالروح التي ستأتي بواسطة المسيح الذي يهب الحياة الحقيقيّة للبشريّة.»

سياماي ومن حوله: «هذا الناصريّ شيطان!»

هيليل وأتباعه: «لا. بل إنّ هذا الصبيّ هو نبيّ الله. ابق معنا أيّها الصغير. ستنقل شيخوختي كلّ معارفها إلى علمكَ وستكون معلّم شعب الله.»

يسوع: «الحقّ أقول لكَ: لو كان أمثالك كُثُر لأتى المجد لإسرائيل. ولكنّ ساعتي لم تأتِ. وأصوات السماء تكلّمني، ويجب أن أتلقّاها في الوحدة والعزلة حتّى تأتي ساعتي. حينئذ سوف أتوجّه إلى أورشليم بشفتيّ ودمي، وسيكون مصيري مصير الأنبياء الذين رَجَمَتهم وقَتَلَتهم. ولكن أعلى مني يوجد الربّ الإله الذي أخضع له أنا ليجعل منّي مرقاة مجده بانتظار أن يجعل هو من العالم مرقاة لقدم المسيح. انتظروني في ساعتي. سوف تَسمَع هذه الحجارة صوتي من جديد وترتعد عند كلمتي الأخيرة. طوبى للذين يسمعون الله من خلال هذا الصوت وبواسطته يؤمنون به. لهؤلاء يَمنَح المسيح مُلكه الذي تحلم به أنانيّتكم بشريّاً بكلّيته، بينما هو سماويّ. بخصوص قدوم هذا الملك، أنا أقول: “ها هو خادمكَ يا ربّ الآتي ليتمّم مشيئتكَ. حَقِّقها كاملة، فأنا أتحرّق لإتمامها.»

يسوع يحدد الصلاة التي يجب ان ترفع الى الله باسمه

مريم تصلّي مع يسوع. إنّ يسوع هو الذي يُقَوِّمكم يا أبنائي. وأنا الذي أجعل صلواتكم للآب مقبولة وذات نفع. لقد قلتُ ذلك: “كلّ ما تطلبونه من الآب باسمي يعطيكموه”. والكنيسة تُقَوِّم صلواتها بالقول: “بيسوع المسيح ربّنا”.

عندما تُصَلّون اتّحدوا دائماً، دائماً، دائماً بي. وأنا سوف أصلّي من أجلكم بصوت مرتَفِع مُجَلِّلاً صوتكم كبشر بصوتي كإنسان-إله. سوف أضع صلاتكم على يديَّ الـمُختَرَقَتَين وأرفعها للآب، فتصبح ذبيحة ذات قيمة لا حدّ لها. وصوتي الذائب بصوتكم سيرتَفِع كقُبلة بنويّة للآب، وحُمرة جراحاتي ستجعل صلاتكم أكثر قيمة. اثبتوا فيّ إذا أردتم أن يثبت الله فيكم ومعكم وبكم.

لقد أنهيتِ الرواية بقولكِ: “ونحن…” وقد أردتِ القول: “ونحن الجاحِدِين بحقّ الإثنين اللذين صَعدا الجلجلة لأجلنا”. لقد فعلتِ جيّداً بوضع هذه الكلمات. ضعيها في كلّ مرة أُظهِر إحدى آلامنا. ولتكن مثل الجرس الذي يرنّ ويدعو إلى التأمّل والنَّدَم.

انشودة الانسان الاه – فالتورتا / 2 / 2