عن يهوذا أيضا.

مقتنع بأن المسألة تتعدى الثلاثين من الفضة. هذه الصرّة كانت فقط الحافز النهائي الذي حسم التردّد وسرّع القرار.

القرار نتج عن معاناة نفس طالت لسنوات ثلاث قضاها طالب الشريعة في تجوال بين الجليل وأورشليم  سيرا على قدميه. تجوال لم يرَ معنىً له، ما لم يكن هدفه تحريض الناس وإثارتهم، بهدف الاستيلاء على الحكم، وتكرار Continue reading

كما امرأتا الإسكندريّة !

كان القديس مقاريوس محبا للوحدة فتعبّد في بريّة شيهيت بمصر، ويُروى عنه أنه حفر سردابا تحت الأرض يمتد من قلايته الى نصف ميل لينتهي بمغارة صغيرة، فإذا ما جاءت إليه جموع للقائه ترك قلايته سرأ إلى المغارة بحيث لا يجده أحد.

عُرف بحبّه لستر الخطايا، فقيل عنه: ” صار إلهاً على الأرض، فكما أن الله يحمي العالم ويحتمل خطايا الناس، هكذا كان الأب مقاريوس يستر الأخطاء التي يراها أو يسمعها، وكأنّه لم يرَ ولم يسمع شيئا”.

سأل الربَّ يوما إن كان أحدٌ قد ضاهاه في سيرته، فجاءه صوتٌ من السماء يقول: Continue reading

أحبّوا بعضُكم بعضاً.. كيف؟

كما أنا أحببتكم! قال السيّد المسيح.

ولكن، يبقى السؤال مطروحاً. من هو الذي أحببنا؟ وكيف أحببنا؟

لم يتعرّف بولس الرسول إليه ( وكان بعد شاوُل )، إلا بعد أن فقد بصره، وهو في طريقه إلى دمشق، تنفيذا لمهمة جلب الناشطين المسيحيين الأوائل لمحاكمتهم في أورشليم.

ناداه الصوت: شاوُل شاوُل لماذا تضطهدُني؟

قال: ومن أنت يا سيّد؟

أجاب الصوت الآتي من السماء: أنا يسوع المسيح الذي أنت تضطهدُه!

قناعتي أنّ هذا الجواب القاطع المختصر يُظهر كيفية حبّ الربّ للإنسان، كما لم يبرهن عليه كلامٌ آخر في موقف آخر. هو لم يقل لشاوُل ( قبل أن يصير بولس ) لماذا تضطهد تلاميذي  أو أتباعي، او محبيّ، أو المبشرين باسمي ؟ هو قال: لماذا تضطهدني؟

هل من موقف في أناجيل العهد الجديد عبّر عن حبّ الربّ لأبنائه بتعابير أبلغ وأدقّ؟

هكذا أحبّنا. هكذا أراد منا أن نتحابّ.

إمرأتا الإسكندريّة فهمتا لبّ الرسالة…

ثلاثة.. اللغز !

 الله واحد، في ثلاثة أقانيم.

أصغيت لكلام كاهن ليس كسواه. سما حتى لامس القداسة أو كاد. قال في نصيحة للعريس المتزوج حديثاً: عندما تأتي البيت مع عروسك، إفتح الباب، ثم ادعُه بانحناءة لطيفة، أن تفضّل وادخل بيتك، فإن دخل اتبعاه. بهذا يكون ساكنو البيت ثلاثة فيتحقق قوله: كلّما اجتمع اثنان باسمي أكون ثالثهما

 في تفسيره لحلم خصيّي فرعون في السجن قال النبي يوسف للأول Continue reading

جان بول سارتر: وُلدتُ في الكتب

وُلد “جان بول سارتر” في الكتب. رضع منها طفلا. تغذّى منها ولدا، ثم يافعا. بدءا من شبابه وإلى كهولته أنجبها، وضمّنها تبشيره بالإلحاد وإنكار وجود الخالق.

ألمُه بدا واضحا في آخر حياته عندما أسرّ الى صديقه “بيني ليفي” بموقفه المتغيّر تجاه وجود الله، إذ قال له: ” أنا لا أشعر بأني نتاج للصدفة، ذرة تراب في الكون. أشعر بأني شخص كان منتظرا، ويتمّ تحضيره، وموضوع مسبقا. باختصار، كائن يستطيع الخالق فقط وضعه هنا، وهذه الفكرة عن اليد الصانعة تشير الى الله”.

ألمُ جان بول سارتر أنه قرأ كلّ الكتب في مكتبة عائلة والدته، حيث تربّى، ولكنّه لم يقرأ الكتاب.

حظّه العاثر يكمن في كَون هذه المكتبة لم تحوه بين كلّ ما حوته.

لو قُدّر لجان بول سارتر أن يقرأ الكتاب في صِغره لأهدت عبقريته البشرية كنزا لا يقدّر بثمن.

الماءُ الحيُّ

قطرة ماء وقعت على صحراء. حبة رمل وقعت في محيط.
كلاهما أحدث حركة.
كلاهما حمل رسالة.
نحتاج الى فهم لفهمها.
ألعطش؟
ألإرتواء؟
واحدة روت. واحدة ارتوت!
“أنا هو الماءُ الحيّ. من يشربُ منه فلن يعطشَ الى الأبد.”
قال.

كذّاب !

غالبا ما سألتك عن حالك لأطمئنّ إلى حالي. كثيرا ما هدفتُ الى التحقّق عمّا إذا كان جناك يزيد عن جناي!

وأنت! ألا تشبهني؟

هل تريدُ أن تكونَ صادقا؟

لن تقوَ وحدك !

هلمّ نتحابّ، نتقادس، نتجاهد، نتعاون، نتشارك، نتذاوب. انا وأنت. صادقَين.

بكلمة الله وروحه، لن نكونَ إلا واصلين.

 

يهوذا الأسخريوطي

قالوا لنا ونحن بعد صغارا: يهوذا أسلم المسيح الى أعدائه الذين صلبوه لقاء صرّة من الفضة. كان القول كافيا لأن نكره يهوذا، ونكيل له اللعنات ونرى فيه رمزا للخيانة والغدر.

ما علّمونا إياه عن يهوذا صحيحٌ. لا مجال للشكّ فيه. صحيحٌ أيضا أنه بات رمزا للغدر، ولكن!

اليوم، وبعد أن تقرّبت من يهوذا. قاربته إلى أعمق من الصورة الظاهرية. بان لي جليّا أن Continue reading

الشيخوخة إن فاجأتك

تَرى الشّيخوخةَ وقد أدركتْ قاماتٍ أحببتَها. تتيقّنُ أنّ الفراقَ محتوم. تتهيّبُ الساعة.

تُحاولُ نفضَ غبارَ الأيّامِ عن رأسِكَ أوّلاً. لا تفلح.

عن رؤوسٍ تخشى أنْ تكونَ مضطراً لرؤيتِها تغيب. تُخفقُ أيضا.

تجولُ ببصرِكَ على أملاكٍ تظنّ أنها لك.

ببصيرتك على عشراتٍ مِمّن قالوا إنها لهُم. قبلك.

تتنبّهُ أخيراً إلى ما كنتَ غافلاً عنه.

تُدرّبُ قلبَكَ على السّير وراء الله.

تتمنّى لو  تكونَ الرّحلةُ النهائيّةُ حجّاً إليهِ. تبرّكاً بوجههِ المُبارك.

يا لَفَرحي… لو تمّ ذلكَ لأحبّائي…

ولي …

—————

سمعتُ أحدَ كبارِ كبارِ المُستنيرين من آباء الكنيسة يقول: ” أعيشُ على رجاءِ امّحاءِ خطاياي وكسبِ الرّحمة الإلهية”.

ساءلتُ نفسي عن خطاياها.

قالتْ: يا لَبؤسِكَ. تحتاجُ إلى ألفِ ألفِ رجاء…

أنا هو

لماذا باب أنا هو؟

لتلطيف فكرة الموت، فإذا هو مُشتهى.

ليكون ممكنا تقبّله كحركة انتقال من حياة إلى حياة.

ليصير الهدف من الحياة غلبة الموت وقهره.

لأنه كرّرها في إنجيل يوحنا 21 مرّة.

ببساطة لأنّه هو هو… هو العهد المقطوع. هو الوعد الموعود. هو البداية، وهو النهاية. هو الراعي والطريق والحق والحياة والنور والخبز والماء والخلاص والقيامة والباب. لأنه هو الألف، وهو الياء.

 هو نفسُه أكّد في كتابات العهد الجديد. قال: Continue reading

شمعتها لا زالت مضيئة في نفسي

كنا صغاراً. مِثلَنا كانتْ دُنيانا. طفوليةً. بريئةً. تشبهُنا.

كانت أعيادُنا لا تزالُ شموعاً نهوى مسحَ دموعها ولو حرقَت أيديَنا، وبخّوراً نصدّق أنّه يطردُ أشراراً قالوا لنا إن اسمَها الشياطين.

كنا صغاراً وكان دواؤنا نذوراً تلجأ إليها أمّنا، فتُفرحُنا، على أمل أن تكونَ بديلا عن إبَرِ خالي مخايل الغليظةِ، ووخزَاتِها المؤلمةِ.

كان قدّيسونا أصحابَ اختصاص وخِبرة. بينهم من يُحسِنُ مداواةَ آلام الظّهر، وغيرُه مَن بَرَعَ في شفاءِ أمراض الصّدر أو الرأس، وسواهما مَن يهتمّ بترميم ما يصيبُ العظمَ أو العينَ أو الأذنَ من خلل … وإن ننسى، لا ننسى البيطريين منهُم، فهؤلاء ذاع صيتُهُم بين الفلّاحين، فتَراهُم يلجأون إليهم كلّما زلّت قدمُ خروفٍ، أو حلّت نائبةٌ بعنزةٍ، أو تعثّرت ولادةُ بقرة.

 ”مار إذنا” كان يشفَعُ لآلام الأذنِ، وللمصادفة، كان مزارُه في المقلبِ الثاني المواجِه لبيتِنا، ولا يفصلُنا عنْه سوى وادٍ عميق، تتلاقى فيه سَواقٍ شتويّةٌ كثيرةٌ، فتتّحدُ لتَجريَ مجتمعةً وتؤلفّ مع غيرها مجرىً لنهر واحد اسمُه نهر الدامور.

لا أعرفُ مَن هو “مار إذنا”، ولا أعرفُ شيئا عن سيرتِه، كما لا أعرفُ ما إذا كان شخصيةً واقعيةً أو – وهذا ما أرجّحه – من نَسْج خَيال أهل القُرى المُحيطةِ بالمكانِ، والمُطلّةِ عليه.

ومن ذلك الزّمن الطّيب، لا زلتُ أحملُ ذكرى يوم كأنما وقعتْ أحداثُه وقتذاكَ، فقط،  لتؤلمَني اليومَ، وقد جاوزتُ الستين، وباتَت مفكِّرَتي ذاكرةً وبناتُ أفكاري ذكريات. أصابني وقتذاكَ وجعٌ في الأذُنِ، ولا يخفى على أحدٍ ما يستدعيه وجعُ الأذن من صراخٍ إن ألمّ بصبيّ أشقى اللهُ به أماً، وكما لم يُشقِها بواحِد من إخوتِه أو من أخواتِه.

يومَها – وكان الزّمنُ صيفاً – تمكّن منّي الوجعُ وأخذَني الصراخُ، فرقّت قلوبُ  أخوتي وأخواتي، وتحلّقوا – لا حيلة لهم – حول أمي المحتارةَ في طبابتي بين قطرةٍ من ماءِ الوردِ، أو لبخةٍ من خلّ العنبِ، وبين ضمّةٍ تتخلّلها قبلاتٌ في موضِع الألم، وتتبعها كلماتٌ من مثل ” تقبرني” و “سلامة قلبك” و ” ريتها أذني ولا أذنك”، أو ما شابهها من تعابيرَ غالباً ما تكونُ هيَ وسيلةَ الشّفاء المُثلى.

 تحلّق أخوتي حول أمي، وما غاب منهُم إلا ناهية. غابَتْ بنتُ السابعةِ داخلَ الدّار، ولكنْ لتظهرَ بعدَ بُرهةٍ، وقدْ حملَتْ في يدِها شمعةً، أضاءَتها. ثمّ، بلمح البصر. أراها، تسرعُ إلى أقصى مكانٍ من الشُرفة. تضعُها فيه. وتنظرُ الى مزار “مار إذنا”، كأنّما ضارعةً، طالبةً  الشفاعةَ لأذنِ أخٍ فطرتْ صرخاتُه قلبَها، فما وجدتْ من حيلةٍ تخفّفُ فيها عنْهُ سوى شمعتها وإيمانها ودُعائها .

والآن! بعدَ نصفِ قرنٍ ونيّف!

ها أنذا أضيءُ للغاليةِ في نُسيماتي شمعةً ورديّةً…

على رجاءِ ألّا ينطفئَ نورُها…

إلّا وقد حانَ وقتُ اللقاء!