في رحلتي المعرفيّة المتدرّجة رافقت سرد العهد القديم من سفر التكوين إلى سفر مكابيين، مرورا بالمزامير، وأسفار الملوك، وأشعياء، وإرميا، ودانيال، وسواهم، وسواهم.. رافقتُها، وتوقّفت عند الكثير من تفاصيلها ورموزها، فتكوّنت لي قناعةٌ، مفادها:
إنّ رواية الخلق، كما تمّ سردُها بحسب تسلسل الأيّام السبعة، حقيقةٌ لا خيال. خَلقُ آدم من تراب، وخَلقُ حوّاء من ضلعه، سَردٌ تاريخيّ وإخبارٌ للإنسانيّة. هذه ليست قصّة روائيّة. الدور الرئيسيّ الذي لعبته حوّاءُ في التدحرج الساقط للبشريّة واقع لا مجال لإنكاره، وإن كان هذا الدور ليس سببا لتبرئة شريكها في الخطيئة، أو إنزال العقاب البشريّ اليوميّ فيها انتقاما على فعلتها.
إنّ فكرَ الله كان قد رسم للإنسان حياة مختلفة، ومصيرا مختلفا. كان قد أراد له أن يتوالدَ ويملأ الأرض، في جوً من السعادة والفرح، لا أثر للمرض أو الألم أو الموت فيه. كان قد أراد لحوّاء أن تضع مواليدها بغير وجع، هذا لو أنّها ارتضت الحبل بهم بغير خطيئة، بغير شهوة.. أوقع الإنسان نفسه في هذه الورطة نتيجة كبريائه وإسرافه في استعمال عقله، ظنّا منه أنّ المخلوق يستطيع أن يتساوى والخالق. كان السقوطُ، وبدأت للتوّ رحلةُ العودة الى البيت وهي مستمرّة…
كانت سقطةُ الإنسان الأوّل. كان الألمُ والتعبُ والمرضُ والموتُ بشكليه الجسديّ والروحيّ. فاق ألمُ الخالق ألمَ المخلوق بفعل سقوط ابنيه، فبدأ ترتيب وسيلة الخلاص وبناء بوّابة العودة.
تحقيق الخلاص كان مستحيلا مع بشر استسلموا للشرّ. قتلوا الروح. لم يُبقوا في دواخلهم أثرا لبذرة الخير والحبّ. أغفلوا حقيقة خلق الله لهم مرفوعي الرأس لرؤية سمائه ومخاطبتها. ساوَوا أنفسهم بحيوان الغاب. هبطوا بأرواحهم إلى مستنقع الغريزة.. كان الطوفان…
جدّد نوح البشريّة. طمح إلى وعد من الله بألّا يتكرّر الطوفان. كان له ذلك.
جدّد الخالق البشريّة بنوح. تجدّد شرّ نسل آدم بنسل نوح من جديد، وساد. إختار الله أبرام. سمّاه ابراهيم. وعده بأن يكون أبا لنسل جديد. هم سيتدرّبون على التقوى، ويتدرّجون في طريق العبادة والحبّ، ثمّ سيدرّبون سواهم من الأمم على ما اكتسبوه. كان الناموس بواسطة موسى والأنبياء، إلى أن كان ملء الزمان.. فكان المسيح المخلّص الذي أعاد فتح الباب الذي أقفله آدم يوما…
قناعتي أنّ هذه حقائق لا أساطير.. إيماني بات أيضا كذلك…
هذا جزء من قناعتي المُكتسَبة.
ما تبقّى يأتي تِباعا.