محبّب إليّ تعبير الطبيب الكاهن. عجّلت في استبداله. قلت، للكلمة رنّة خشنة في أذن الأحبّة.. لا أبغي إغضابهم.. كثيرون من فريقهم ساهموا في قتل الروح، وحرمان إنسان العصر الحديث منها.
الطبيب المداوي المؤمن هو الردّ الطبيعيّ الناعم والحنون على فكرة الموت الرحيم. لن يكون ممكنا حسم الجدل الدائر حول هذه الظاهرة في المجتمعات الصناعيّة الحديثة إلا بتدخّله هو…
طالب الموت الرحيم هو فاقد الأمل. يشبهه غالبا المصاب بالمرض العضال. هو الهارب من الألم. اللاجئ إلى الموت. هو الفقير لمفهوم الرحمة، لأنّه قاطع لكلّ علاقة مع الله.
وحده، الطبيب المؤمن قادرٌ على محوِ فكرة الموت هرباً من واقع أليم، واستبدالها بفكرة الإنتقال، رغبةً بلقاء وجه المحبوب. إنْ هو نجح في كسر قشرة اليأس اليابسة المغلّفة روحَ مريضه، ثم في تذكيرها بموطنها الأوّل، فهو قد أدّى الواجب الأسمى والمهمّة الأشرف. هنا يصير الألم تلذّذا ومذاقا. يصير مسارا بهدف تسجيل انتصار، وموضع استهزاء واستخفاف بما كان سالفا مجهولا، وبات الآن بفعل إيمانيّ معلوما..
هذه، كانت مهمّة رجل الدين. فَقَدَ رجل الدين الهالة الروحانيّة التي تميّز بها في عصور ما قبل المدنيّة الحديثة. الطبيب المؤمن هو الجواب الطبيعيّ المُلحّ.
في مجتمعات ما قبل الثورة الصناعيّة المشؤومة، كان للإنسان كاهنُه الطبيب. اليوم هو بحاجة لطبيبه الكاهن.
إحياءُ الأمل في نفس المريض. لمسة يد على جبين يندى. تنشيطُ الطبقات العليا من روحه. تذكيرُها شيئا فشيئا بما كانت عليه، وفيه. تحريضُها على استدعاء الرحمة الإلهيّة. إنتهاءُ المهمّة…
هنا يجد طالبُ الموت الرحيم نفسَه أمام احتمالين:
أوّلهما: يستلذّ ألمَه. يقبلُه. يقدّمه للربّ كفّارة عن خطايا، ليس بالضرورة أن يكونَ هو مرتكبَها.
ثانيهما: يشتهي الإنتقال. لا يطلب الموت. ألإنتقال اشتهاءً لا هروباً. يأخذه حنينٌ الى الوطن. في هذه اللحظة الخاطفة، لا بدّ أن يلبّي الربّ المحبّ نداءَه. يغمره بفيضٍ من بحر رحمته.
أخاطبكم يا أحبة..
كونوا أطباء كهنة.
لا تخجلوا ممّا أنتم فيه.