الكتابة رياضة تمهّد لانعتاق نفسي. كلّ فنّ يكون فنّا بهذا المعنى أو لا يكون أبدا. لا همّ لله إن كانت اللوحة أو المقالة على جمال. همّه إن هي ساهمت في رفع نفسي أوّلا. أنا أمضي. أنطوي في الموت. يلفّني النسيان. الورق باقٍ، وقد يكون يوماٌ وسيلةَ خلاص لنفس، إن استودعتُه مقدارا من فيض تبلّغتُه بالروح.
الفنّ في الكتابة وسيلة. المهمّ ما أودعَه الله فيها من نِعَم. يدُك وفكرُك وذوقُك وخيالُك أجنحة يدخل بواسطتها الروح إلى جوارحك، ومنها إلى جوارح قرّائك. تتفنّن في أسلوبك أو صوَرك؟ لا بأس، إن عجّل ذلك في إيصال الرسالة؛ رسالة الله بما هي مقدار من محبّة وخير وجمال. كلّ فنّ يتجاوز هذا الهدف هو كبرياء، ولا يعدو كونه زخرفة، أو عملا يدويّا مؤقتا، لا بدّ أن ينطوي مع انطواء مرحلة.
ظنّ جان بول سارتر أنّه مُلهَم. أوهمته سيمون دي بوفوار بما ليس فيه، لكثرة ما امتدحت عبقريّته وأطرت على فنّه. إمّحت رسالته مع انطواء مرحلة. صارت كتبُه ذكرى. صار هو عبرة. أوحي إليه في آخر أيامه بإسم مَن أعثره. لم يتردّد في البوح بعثرته. إعترف!
كالت له دي بوفوار الإتهامات. ماتت، على ما أظنّ، في كبريائها وغرورها جاهلة إسم سيّدها. أميرُ الظلام! ملهمُها!
لا جمالَ غير زائل، إلّا الجمالُ الإلهيّ. هو إشراق يحاكي روحي، وعَبرها أرواحا أُخر. أطلبُه من فوق، وإن نزل هديّة لي تلقفتُها، فإذا قوة من خارجي تستكتبني. لا أقول أنا مُلهَم. لستُ كذلك إلا إذا نزلت عليّ من فوق. بها، وبها فقط أستقي، في لُطُفٍ متناهٍ، روحَ يوم نوّار، ثمّ أستبقيها مخزون نعمة لآتي الأيام المظلمة، فإذا هي لي عطيّة جمال مبارك، يشعّ في أوراقي أو من لوحتي نورا لا ينطفئ.