مملٌ جدا أننا ما نزال نتحدث، بعد خمسين عاما، نفس اللغة التي أُتخمنا بها قبل نصف قرن! هل كلمة «وطنيّ» تعني اليوم الشيء نفسه؟ هل الإنتماء الى الوطن اليوم يعني ما كان يعنيه يوم بدأنا نسمع هذه الكلمة؟ وحتى تكون وطنيّا أليس من المفترض أن يكون لك وطن؟
هل موجات الشباب الذين كفروا بهذه البلاد وعافوها هاربين الى ما وراء البحار السبعة عقلاء أم مجانين؟ الأرقام الحقيقية تجاوزت الأرقام المتخيّلة . والهاربون هم هاربون، ولا يلطّف الأمر أن نسمّيَهم مغتربين.
هربوا في بدايات القرن الماضي.وهربوا في أواسطه. وأيضا هربوا في أواخره. وهم استمروا في الهروب. وأيضا يوشكون…
قالت إحدى قريباتي: في عائلتنا أربعة وعشرون شابا. كلّهم خرجوا.. بمفهومي انا هم هربوا.. أوشكت أن أردّ: والوطن على من تركوه؟ ولكنني خجلت.
أي وطن هو هذا الذي نورّثه ، نحن الوطنيين الخائبين، لأبنائنا؟
يوم انتخبوه، قال رئيس جمهوريّتنا الجديد: سأصنع لكم وطنا. طربنا وهلّلنا. أخشى أن نسمعَ منه قريبا: ما خلّوني.
وطن النجوم؟ أو وطن الهموم؟ حيث صار عليك من الصعب تعريف الفقر وأسبابه والثراء وأحبابه.
هذا، وما زلنا نتفاهم بنفس تعابير القرن الماضي ونردّدها. وطنيون وشرفاء وعملاء وانعزاليون وعروبيون، وأطرف هذه التعابير لعلها تقدميون ورجعيون.
وكأنّ اللغة زمّت بحيث لم نعد نجد فيها ما يلائم. أطرف اختراعاتنا هي كلمة مقاومون، ولا زلنا نغوص فيها كلّ يوم حتى قطع النفس.
لا أعرف أصل كلمة “كبتاغون”. ما أعرفه أنّ علاقة وثيقة تربطها ب “مقاومون”. وهذان شرطان ملحّان حتى نستحق أن نُرمى بلقب ” وطنيّون”.
هذيان ما بعده هذيان..!