عام 1989 تميّز في حياتي المعرفيّة بكونه العام الذي تصفّحت فيه العهد القديم من الكتاب المقدس لأوّل مرّة باهتمام وشغف موصوفَين. كنا في ذلك الوقت نتردّدُ إلى دير القمر في العُطل الأسبوعيّة والصيفيّة، وعاد الفضلُ في حصولنا على الكتاب يومها لصديقي، المُحبّ المحبوب، المرحوم الأستاذ جوزيف القزي. تصفّحناه، أنا وهو، وناقشنا بعضا من محتواه، ولاسيما ما ورد في سفر أشعياء الذي احتوى على الكمّ الأكبر من نبوءات مجيء المسيح ورؤى وصفِهِ مصلوبا.
في أواسط تسعينيّات القرن الماضي، قيّض اللهُ لي أن امتلكَ الكتاب باللغتين الفرنسيّة والألمانيّة، وكنّا يومَها في هجرةٍ قسريّة . أدمنتُ على قراءته والتأمّل في بعضٍ من آياته، فلفتني تكرارُ اتّهام ألأنبياء لشعب الله بالزنا، ما استجلب عليهِم غضبَ الله وعقابه القاسي لهم.
في بداية الأمر فهمتُ كلمة الزنا على سطحيّتها، وبالمعنى المتداوَل المحصور بمخالفة شرع الله، والبحث عن إشباع الشهوة الجنسيّة خارج ما حلّله في وصاياه التي أعطاها لموسى في سيناء. ولكنّ هذا التفسير لم يُرِحْني، فتعمّقت في البحث والاستقراءِ. وكان أن أضاءَ الحقُّ أمامي نوراً على الحقيقة كان محجوباً. أدركتُ حينئذٍ أنّ زنا شعبِ الله إنّما هو الإنحرافُ عن عبادة الله الأحد يهوه، وبيعُهم أنفسَهم لآلهة الشعوب الوثنيّة المحيطة ببلادهم.
اليومَ أتذكّر هذه المحطّة من حياتي المعرفيّة، وأُسقِطُ آسفا تفسيرَ الزنا على ما سمعتُ من أخبارٍِ عن شراء أصواتَ الناخبين وذِمَمَهم في الإنتخابات البلديّة التي جرت مؤخرا في ضيعتي الحزينة، وفي الكثير من البلدات والمدن التي تشبهها حزنا وبؤسا.
أُسقطُ آسفا هذا التفسيرَ على أفعالٍ متّسخةِ المظهر والمحتوى، مارسَها أنفارٌ من الوصوليين الجهلة، نفّروني من رغبة التعرّف إليهم لكونهم قد يقودون ضيعتنا الحزينة في السنوات القادمة إلى المزيد من الحزن والبؤس..
إنّ أفعالَهم المُشينة هذه في شراء الأصوات والذمم نفّرتني منهم ، وأبطلَتْ في نفسي كلّ رغبة في مصافحة الأيدي التي تلوّثت بالفساد والتزوير والعفونة والبذاءة والإنحراف والنتانة والسفاهة والإثم والإباحيّة والخلاعة والدعارة والشذوذ والفجور.
ولقد تُقرّني قارئي العزيز في اتهامي لهؤلاء بالفساد والتزوير، وتُنكرُ عليّ اتهامي لهم بالخلاعة والدعارة والفجور. وقد تقولُ لي، أو تقولُ في سرّك: ما علاقةُ هذه بتلك؟
لستُ أنا مَن يُجيبُ على تساؤلك ويهدّئُ من روعك، بل هو كتابُ الله الذي اتّهم شعبَه بالزنا عندما باعوا أنفسهم ومالوا عنه إلى عبادة الأوثان.
عليه، إنّني أجزُمُ، وعن وجه حقٍّ وصدقٍ وأمانة. إنّ كلّ مَن أجّر صوتَه أو باعه لهو عند الله، وعندي، كمَن أجّر امرأتّه أو باعها، لقاء حفنة من الفضّة.
وأجزُمُ أيضاً واثقاً، أنّ كلّ مّن اشترى صوتاً أو استأجره، لهو بمنزلة مّن استأجر امرأةً، وأنزلها ليوم أو لليلة في غرفة أمّ أولاده.
وأقلُّ ما يُقالُ في هؤلاء، كما في زبائنِهم، إنّهم منافقون غشّاشون كذّابون محتالون. وإن شئتَ الإختصار وتوفير الكلام، قُلْ ما قاله يسوعُ لخصومه الفرّيسيّين: أيّها المُراؤون..!
حمقى.. أما آنَ لكم أن تستحوا؟