وحيثُ يكونُ أبو مسعود تكونُ المُبارَكةُ.
هي دوما في الجّوار.
أراها خلفَ الخِربة. تحتَ التّوتة. عينٌ على دجاجاتِها، وعينٌ على رفيق دربها. تخشى من دجاجاتها على مسكَبةِ البقدونس، وقد انتهت لتوّها من زرعها؛ وتخشى على أبي مسعود من حاجة يطلبُها فلا يجدُها. لعلّ شربةَ ماء تعنّ على نفسِهِ، زُلالاً، صافيةً، مبرّدةً في دويك الفخّار. هي تعرفُ أنهُ لا يستطيبُها إلا من يدِها، يدِ المُبارَكةِ التي منّ اللهُ عليه بها، فما بات ليلةً إلّا شاكراً راضياً، لا يرجو سوى إطالة عمرها، والسفر من تلة القراين قبلَها، إن دقّتِ الساعةُ، وحانَ وقتُ الرحيل.
لا زلتُ أرى أمَّ مسعود هناك، تروحُ وتجيءُ،خلفَ الخِربة، وأمامها. لقد اختمرَ عجينُها، فقرّصتهُ، وأقبلت إلى الصّاج تمسحُه، وإلى النّار توقدُها. هي ستشرعُ بعدَ قليل في مدّ فطاير الزّعتر والكشك، دون أن تنسى طلميّة القورما، وهي أفضلُ ما اشتهتهُ نفسُ أبي مسعود بعد يومِ الفلاحةِ المُضني….