كان النداء ورديا نديا
في ذلك الطفل الذي كنتُه.. أصاب قلبا طريا…
يتحرّى الطفل عن الصوت.. يتهجّى فيه نغماً.. شهيّا
يسألُ موجاتِ الأثير..
يلمحُه ساهرا في الفجر، في الأصيل
في عنفوان الخيل.. في الصهيل
في عين حمامة بيضاء.. في الهديل.
يلقاه..
يلقاهُ على الحدود.. ما بين البكاء والغناء..
بكاء الضعفاء
غناء الغرباء.
لا يسمعُ فيه ما ظنّه إيقاعا
ولا ما خاله إبداعا
لا ترانيمَ لا صلاةَ في الصوت.. ولا دعاء
ولا نداء
بل لغةَ المدى.. وظلّ الصدى
والبنفسجَ الهاربَ يغطي جرحَه
ووجهَه
ممّا يشبه المكر أو الجهل أو الغباء.
لحسن حظّ ذلك الطفل الذي كنتُه.. او لعسر حظّه.. لا يهمّ.. سواء
المهمّ أنه وجدها..
قالت إنّها أحبّته
أحبّها.. على طريقته أحبّها.
ظنّ أنّ الحبّ صوتا.. أنّه وجها..
حُلم البراعم في الحجر..
نبع المياه في الحجر..
موج الحنان في الحجر..
في الصوَر.
قال: أكون أوّلَ الكلام وآخرَ الكلام..
ألعب لعبة التمرّدِ والأنا.. حسِبَ نفسه البداية..
والنهاية..
ظنّ أنّه نجمٌ مزروعٌ في سماء
وما كان في كل الرواية
سوى حبّة رمل مُرتاعة في صحراء.
قالت إنّها أحبّته
صدّقها.. على طريقته صدّقها…
يغمسُ عينيه في عينيها
يقرأ في وجنتيها
عناق آلهة..
زحام كلام.. نبض أحلام.. ومعجزات…
ترتجف حشود الكلمات
تختلط الصوَر والإيماءات..
تخبو نار الشهوات..
وتصحو أحلام نيام..
وتغفو أحزان الزمان في حضن المكان.
صدقها وصدّقها.
لا أعرف إنْ هي صدقته.. أو صدّقته.
قال الناس إنهم قرأوا في عينيه فرقانا وفقدانا
فسّروا ما جرى على طريقتهم
قالوا إنّه عشقا..
يا لجهل المساكين…
ظنّوا أنه من طينتهم
وأن لغته من لغتهم
لم يفهموا.. كعادتهم
ما سألوا عن السرّ إنجيلا، ولا هُم سألوا قرآنا..
ظننتُ يومَها أن القمرَ في حياتي لن يغيب
وأنّ العمرَ لن يشيب
ما انتبهتُ إلى أنّ الحائطَ قد يكونُ من زجاج
وأنّ الأرض وديانٌ ووهدانٌ وجبالٌ وفِجاج
وأنّ الذئابَ قد تلبس ثوبَ النعاج
وأنّ للثعالب أناة.. ويشيخ السياج
ظننتُ يومَها أنّ العمرَ لن يشيب وأنّ البدرَ لن يغيب
ولكنّ الليل ليّل فيّ.. في أشيائي.. في أنحائي تدلّى
وعتّمت العتمة ذرّاتي…
أبحث عن هاوية تتسع لكينونتي..
يموت العصفور الشقيّ مشدودا إلى الفجر..
مربوطا بخيطان الأبد.
وتموت البنت الغبيّة مشدوهة بأدغال اللهيب
وتنغرس حبات تراب في ركبتيها.. إلى أن يحينَ المغيب.
ما كُتب هذه المرّة.. قد كُتب. في المرّة القادمه..
لن أدعَ المياه تيبس في الجرار.
سأربط خيطَ المطر بشعاع شمس ضائع في صحراء
وشعاعَ الشمس بغرّة غزالة شهباء..
لن يكون عمري مرتع أشباح ولن أجترّ الماء
ولا الهواء.
لن تضلّ كلمتي في الغياب
لن تتوه في السحاب.
سأحضن قمري مستديرا كرغيف
فلا يقوى عليه برقٌ ولا رعدٌ عنيف.
هذه المرّة كان ما كان.. في حيوتي القادمه..
لن اضلّل الحياه
لن أتدحرج من شرفة الإله
العاليه..
في حياتي التاليه
لن أسمعَ الصوت.. ولو ناداني من بيت راهبه…