كما امرأتا الإسكندريّة !

كان القديس مقاريوس محبا للوحدة فتعبّد في بريّة شيهيت بمصر، ويُروى عنه أنه حفر سردابا تحت الأرض يمتد من قلايته الى نصف ميل لينتهي بمغارة صغيرة، فإذا ما جاءت إليه جموع للقائه ترك قلايته سرأ إلى المغارة بحيث لا يجده أحد.

عُرف بحبّه لستر الخطايا، فقيل عنه: ” صار إلهاً على الأرض، فكما أن الله يحمي العالم ويحتمل خطايا الناس، هكذا كان الأب مقاريوس يستر الأخطاء التي يراها أو يسمعها، وكأنّه لم يرَ ولم يسمع شيئا”.

سأل الربَّ يوما إن كان أحدٌ قد ضاهاه في سيرته، فجاءه صوتٌ من السماء يقول: ” إنك الآن لم تبلغ ما بلغته امرأتان في الإسكندريّة”. فذهب القديس وسأل عنهما حتى بلغ منزلهما، فلما دخل رحبتا به وغسلتا قدميه، وإذ استعلم منهما عن سيرتهما، قالت له أحداهما: ” لم نكن قريبتين بالجسد لما تزوّجنا رجلين أخوين، فطلبنا منهما أن يتركانا لنترهّب، ولكنهما أبيا ذلك علينا، فعاهدنا نفسينا أن نقضي حياتنا في الصوم إلى المساء وفي الصلاة الكثيرة “.

وأضافت: “لقد رُزقت كلّ واحدة منا بولد، فمتى بكى أحدهما تحضنه الواحدة وترضعه، حتى وإن لم يكن ولدَها. نحن في عيشة مشتركة، وفي وحدة الرأي واتحاد القلوب. عملُ زوجينا رعاية الغنم ونحن فقراء. نكتفي بقوت يومنا، وما تبقّى منه نوزّعه على المساكين” .

أصغى القديس، وإذ انتهت المرأة من الكلام هتف: ” حقا إن الله ينظر الى استعداد القلوب، ويمنح نعمة روحه القدوس لجميع الذين يريدون أن يعبدوه” . ثم ودّعهما وانصرف راجعا الى برّيّته.

المرأتان فرّحتا قلب الربّ.. فرّحتا قلب الربّ بعيشتهما على وحدة الرأي وفي وحدة القلوب. أيمكن هذا أن يكون ممكنا في عصرنا؟

قبل التعجّل في الجواب يجب أن نتنبّه إلى أن المرأتين كانتا سِلفتين.