في الخلّاط

أخرجُ منهُ ثمّ أجدُ نفسي فيه.
تشدُّنا جاذبيّتُه. نعيشُ داخلَه ولا ندركُ كُنهَ ما نعيش. نكسبُ ولا ندركُ أنّنا بفعلتنا هذه قد خسرنا. نملكُ غير واعين أنّنا بذلك قد مُلِكنا. يدفعُنا الخلّاط في دورانه صعودا فنتهلّلُ، ثمّ نزولا فنأسى ونتعس. كلُّ ذلك لكوننا نعيشُ هذا العالمَ، ونأبى أن نعيشَ سواه. لكونِنا نعيشُ دوما لصقاءَ هذه الأرضِ، وأسرى لجاذبيتِها، وأحيانا لأهلِها.
سواهُ يعني نقيضَه، ولا نقيضَ له سوى ما هو فوق أو من فوق .. أي ما أسماهُ السيّدُ الملكوت.
لطالما قلتُ: لا أريدُ لهذه الدنيا أن تكون لَهوَتي، ولكنّني أعودُ فأجدُ نفسي، عن غيرِ قصدٍ منّي، في الخلّاط؛ محصوراً ومهزوزاً، وفي النتيجةِ مهزوماً خلافاً لرغبتي .
أبقى في الخلّاط ما داومتُ على رؤيةِ الوجوهِ حولي. لم أنجحْ مرّةً في الانعتاقِ منها، إلّا إنْ أنا نجحتُ في العبور، فما استوقفتني. الوجوهُ بمعظمِها آسرة، تستوقفُك رغماً عنكَ، ولا تدعُ لك خياراً إلّا بعد صراع.
إن عبرتُ فأنا أمامَ وجهِه، وهو وحدَه الكفيلُ بعدم عودتي إلى الخلّاط. إذذاك أرى في وجهِه جمالَ كلّ الوجوه. أستوقفُها ولا تستوقفُني. أدعوها ولا تدعوني. آسُرُها ولا تأسرُني.
خروجي من الخلّاط يعني عبوري وخلاصي وقيامتي وحريّتي وعشقي وحبّي .. خروجي لم يمكن أن يكونَ إلّا برؤية وجهه..  فإذا أنا أَحيا…
وأُنشدُ..
يا بويا يلي في السما
ذوقتني طعم الهنا
وانا من يوم ما عرفتك
عايش في كرامة وغنى..