لعلّها الصدفة هي التي أدّت إلى هذا الزواج. ولعلّها المصلحة. أو النزوة. ولعلّها الصفقة، أو حتّى الضرورة. في أغلب الأحيان يصعب أن بكون ناجحا. في بعضها النادر قد يكون. وحتى يكون لا بدّ من بذل الكثير الكثير من الجهد، ومن الطرفين. الجهد في استبدال مصلحة دنيويّة بحبّ باذل سام ومعطاء.
المشاعر الأولى التي يُبنى عليها هذا الزواج ليست مشاعر، بل أحاسيس عشوائيّة متأجّجة. ألأحاسيس هذه تكون مشروطة. شروطها تُختصَرُ بعلاقات حميميّة، وهذه تُلبّى بسهولة في الفترة الأولى من الزواج، فيغدو الكوخُ قصرا. ولكنّ تلبيتها تستحيل في فترة لاحقة، فيمسي الكونُ أسرا.
هذا نمط من أنماط زواج الغافلين العديدة. الفشل مآله والمهرب من ذلك نادر. الندم نتيجته ولا بدّ منه. حيث لا حبّ حقيقيقا لا نعمة، وحيث لا نعمة سماويّة لا سعادة، ولا رضا، ولا اكتفاء، ولا نجاح، ولا حقّ، ولا جمال، ولا حياة. وبكلمة خالدة: حيث يغيب روح المسيح، لا حبّ يُنتج بذلا للذات تشبّها بالسيّد الذي بذل نفسه عن أحبائه حتى الموت. موت الصليب.
زواج الغافلين هو زواج تغييب الروح المحيي _ بكلام أدقّ تغييب النور الذي هو المسيح _ . تغييب الروح يعني ببساطة واضحة تغييب العقد المقدّس مع الله، واستبداله بعقد وقتيّ قابل للكسر تحت حجج واهية غالبا ما تكون اللاأخلاقيّة بذارها الخفيّة.
مدنيّة اليوم المنكوبة هي مدنيّة الأنا، ناشدة اللذة والنشوة بأي ثمن. وهذه تُضلّ الإنسانَ عن هويّته، وتُنشئ له حجّة الحريّة الشخصيّة التي صار أسيرا لها، فاستهان بالحريّة الأبديّة التي وُعِدَ بها وما صدّق الوعد. ما عاد الإنسان مسكنا لله وهيكلا له، لكنّه إندفع عن غير وعي منه للسكنى في مدينة الحسّ، فحوّر معنى وجوده، إذ جعل من نفسه مجرد كتلة من اللحم والشحم نسمّيه بدنا، وسمّاه ” أنا “. وحوّر معنى الحبّ من نفحة حقّانيّة نورانيّة إلى أحاسيس جنسيّة وضيعة، فبات هو منتوجا للّذة. متّعني وأمتّعك.. إذاً أنت تحبّني وأنا أحبّكَ.
زواج الغافلين غالبا ما يؤول الى هذا المآل، فينحدر الى هذا الدرك.