عن يهوذا أيضا.

مقتنع بأن المسألة تتعدى الثلاثين من الفضة. هذه الصرّة كانت فقط الحافز النهائي الذي حسم التردّد وسرّع القرار.

القرار نتج عن معاناة نفس طالت لسنوات ثلاث قضاها طالب الشريعة في تجوال بين الجليل وأورشليم  سيرا على قدميه. تجوال لم يرَ معنىً له، ما لم يكن هدفه تحريض الناس وإثارتهم، بهدف الاستيلاء على الحكم، وتكرار تجربة الملك داود مع سلفه شاول.

كلّ هذه المواعظ، وكلّ هذه الشفاءات والمعجزات لا قيمة لها بنظر رجل الشريعة، ما لم تتم ترجمتها الى فعل سياسيّ يوصل الى مركز مرموق مدعوم من الشعب المحبّ للملك الجديد والمستعد للموت من أجله.

يسوع لم يهتمّ لكلّ هذا. هو جاء ليموت عن الشعب، لا ليموت الشعب عنه.

يصعب جدا على رجل الشريعة أن يفهم ما فهمه يوحنا وبطرس وسواهما من بسطاء القلوب. طال انتظاره، وإذ فقد الأمل أجرى الصفقة، وتخلّص من عبءٍ بات ثقيلا عليه.

للذين رفضوا رسالة الخلاص من الفريسيين والكتبة والهيروديين وسواهم من الدنيويين العاجزين أو الرافضين للسماويات قال يسوع: ” تشبهون أولادا جالسين في السوق وينادون بعضُهم بعضا ويقولون: زمّرنا لكم فلم ترقصوا، نُحنا لكم فلم تبكوا.”

أخال يهوذا قائلا ليسوع نفس الكلام. أخيرا ترجم أفكاره ومشاعره تجاهه بتسليمه لأعدائه لقاء ترضية وليس أجرا أو ثمنا.

أريدُ أن أرى فعلته نتيجة خيبة أمل وكمّ هائل من الكآبة والكساد الروحي، أكثر مما هي خيانة نتيجة جشع وطمع بمال.

لو أن يهوذا بلغ مأربه، وصار وزيرا للملك يسوع بن داود، لكان من الاستحالة إغراؤه بالمال لخيانته.