يهوذا الأسخريوطي

قالوا لنا ونحن بعد صغارا: يهوذا أسلم المسيح الى أعدائه الذين صلبوه لقاء صرّة من الفضة. كان القول كافيا لأن نكره يهوذا، ونكيل له اللعنات ونرى فيه رمزا للخيانة والغدر.

ما علّمونا إياه عن يهوذا صحيحٌ. لا مجال للشكّ فيه. صحيحٌ أيضا أنه بات رمزا للغدر، ولكن!

اليوم، وبعد أن تقرّبت من يهوذا. قاربته إلى أعمق من الصورة الظاهرية. بان لي جليّا أن الرجل يعيش فيّ – كما في كلّ منا -. علينا ممارسة الكثير من الجهد لإسكاته، أو إخراجه من ذواتنا، قبل أن يُخرجنا هو منها.

مشكلة يهوذا كانت تعلّقه بالدنيويات، وسعيَه الى منصب سياسي مرموق، قطع الأمل بإمكانية بلوغه عن طريق معلمي الشريعة وكتبة الهيكل. لجأ الرجل إلى يسوع، والتصق به على فهمٍ خاطئ لطبيعة رسالته السماويّة، وظنا منه أنه داوُد الجديد. داوُد الملك الذي سيعيد المجد الى إسرائيل. إلتصاقه به كان إذا سعيا لأن يكون هو رئيسا لوزرائه، عندما تحين ساعة الاستيلاء على الحكم وطرد هيرودس من القصر.

لم يستطع يهوذا – ولعله لم يُرِد –  فهمَ طبيعة رسالة المسيح، ولا عناه بشيء قولُه المتكرّر له: “إنّ مملكتي ليست من هذا العالم”.

كالكثيرين منا، يهوذا الأسخريوطي هو ساعٍ الى مجد دنيوي بوسائل بشريّة. هو بحث عن المجد في المكان الخاطئ. صدْمتُه الكبيرة دفعته في النهاية إلى الخيانة. باعتقادي أن خيانته كانت بدافع من الإنتقام، أكثر مما كانت طمعا بالثلاثين من الفضة.

“لوسيفوروس”، إذ كان لا يزال ملاكا بهيا متقدما أمام عرش الله، أصيب بنوبة كبرياء وإعجاب بالنفس. أراد التشبّه بالله. تمرّد. كانت معركة طرده من السماء مع أتباعه.

يهوَذا كرّر التجربة مع الله، ولكن على الأرض. أصيب بنوبة الكبرياء ذاتها. في وقت ما، خاب ظنّه بالمسيح، فانهارت كلّ آماله. قرّر الإنتقام.

كُرهُنا ليهوذا يجب أن يتعدى نطاق الإدانة والإتهام بالخيانة طمعا بالمال. يجب أن نذهب إلى حدّ البحث عنه في نفوسنا. في زاوية ما من دواخلنا، تختبئ نسخة ما عن يهوذا، أو يعيش ممثلٌ ما له.

نكون أولادا لله إن نحن نجحنا في ترويضه وإخضاعه، أو في طرده.

وإلا، فقتله.. ليس لانه خان يسوع.. بل لأنه يخوننا نحن. يحرمنا من لذّة تفريح قلب الربّ بنا.

لوسيفوروس. يهوّذا. إسمان لواحد.

قبلته عل ىشفاهنا.

هلمّ نطهرها بالجمرة الإلهية التي مسح بها ملاك الربّ شفتي أشعياء النبي فتقدستا.