أوراق كانون ( 1 ).

يستفزّك مشهد. يحرّضك على الإعتراض. لم يبقَ لك سوى الصراخ. أصرخ بقلمك مهما حلا لك، فأنت لن تزعج أحدا..!
نهاية الشهر الأوّل من العام 2018 مهينة. مهينة لشعب يدّعي الحضارة. مهينة لكلّ واحد منّا.
من جديد، حرق دواليب في طرقات بيروت. شبان على درّاجات ناريّة. بعضهم ملثّمون ومسلّحون. يجوبون الشوارع في عراضات تحدّ لا تليق.
ربطت أيامي التي مضت من هذا العام بعضُها ببعضِها، وجدت نفسي أجمّع أوراقها المبعثرة..

الورقة الأولى. اليوم الأوّل من شهر يناير 2018.

عدت في هذا اليوم إلى شبابي. بالذاكرة طبعا. فكّرت بكمال جنبلاط. سألت نفسي من جديد عن سرّ حبنا له في ذلك الزمن. رأيت على شاشة فكري مرحلة بحلاواتها وأمانيها، ومتاعبها أيضا. لبنان الطائفي الذي يحكمه الجدود من قبورهم. وهو يذهب الى لا مكان. ألإصلاح المنشود، الدولة المدنية، والاشتراكيّة، والتقدميّة، والعروبة، والإنعزالية، والطائفية، والقوميّة، والشيوعيّة، والحرب التي كان يجب ألّا تكون..
حملت كتابا وقرأت بعضا ممّا خطّه قلم كمال جنبلاط، أشهرا قليلة قبل رحيله.
قسا كمال جنبلاط في ما كتبه على الموارنة. وما يؤلمني إنّنا لم نأت فعلا منذ ذلك الحين وإلى الآن، نقول فيه إنّنا على غير ما وصف. لن أقفَ عند هذا الكلام، لكن أمام سواه.
مما قرأت: ” على الذين يريدون أن يكونوا زعماء سياسيّين أن يبنوا الزعامة في شخصيّاتهم أوّلا. أما السياسة فيُفترض فيها أن تكون أشرف الآداب إطلاقًا، وهي في معناها تربية للجماهير وتعويدها على الطريق الأفضل. والسياسيّ الحقيقي، أي رجل الدولة، يجب أن تكون له دائمًا عين على المبادئ يستلهم منها مواقفه وتصرّفاته، وعين أخرى على الواقع المحيط بتطبيقها.. إنّنا نحلم بالمسؤول الفريد الذي يتجرأ على توقيف كلّ لبنانيّ يقوم بدعاية طائفيّة.

لهذا أحببنا يوما كمال جنبلاط..
حلمنا معه في سبعينات القرن الماضي بالمسؤول الذي يتجرأ على توقيف كلّ لبناني يقوم بدعاية طائفيّة. ما تحقق لنا من أحلامنا هو المسؤول المدمن على الدعاية الطائفية، بحجة تحصيل حقوق شعبه وإعادة المسلوب منها.

الورقة الثانية. اليوم الخامس عشر من يناير 2018.

وقعت في هذا اليوم على مقالة عنونها كاتبها:  إيران وتعليم الإنكليزيّة لأطفالها.
لفتني العنوان وأخذتني حشريتي المعرفيّة إلى الإطلاع على حواشي المقالة، فإذا هي عن موقف للمرشد الإيرانيّ الذي يقول: لا لتعليم الإنكليزيّة لتلامذة الابتدائيّ. هكذا يُصَدّ «الغزو الثقافيّ» وتُعزَّز اللغة الفارسيّة. إنّ ما عندنا أكثر من كافٍ.
وينهي الكاتب مقالته بتعليق ساخر، أُورده هنا لا رغبة بالسخرية ممن هو موضوع المقالة، بل لأنّ الأدب الساخر ممتع، وأنا أصنّفه في أعلى برج من أبراج الفنون الأدبية.
قال كاتب المقالة: “إنّها ترجمة فجّة وقصوى لتلك النظريّة التي تجمع بين رغبة الاستفادة الحقيقيّة من «التبعيّة» الاقتصاديّة، والصراخ «الثقافيّ» ضدّها وضدّ «غزوها».
النظام، الذي سبق له أن دشّن «ثورة ثقافيّة» تعيسة، يربّي الإيرانيّين على نحو سيّئ ويعدّهم لأن يكونوا من الخاسرين في هذا العالم. بهذا، يعلن فساد أبوّته عليهم بوصفها أبوّة عليا. فهو يؤسّس طقوساً أخرى للبلوغ، مؤلمة وعقابيّة مثل طقوس البلوغ كلّها. وهو يقول، بقراره هذا، إنّ استمراره في وظيفة الأب الأعلى بات مشروطاً ببقاء الأطفال أطفالاً، بل أطفالاً أغبياء. أغلب الظنّ أنّ غضب الطفل الذي يعرف أنّه محكوم بأن يبقى طفلاً يصنع المعجزات”.

الورقة الثالثة. اليوم العشرون من يناير 2018.

صادفت اسم روائيّ لبنانيّ لم يسبق لي أن عرفته. إنّه ” رشيد الضعيف”. لفتني اسم دواء وصفه كمضاد للذهنيّة الغارقة في أوهام الماضي، ومُتع القتل ثأرا وانتقاما لكلّ من آذانا، أو حتّى لكلّ مَن اختلف عنّا ومعنا.
وصفة رشيد الضعيف الطريفة اسمها: تعلّم الإنكليزيّة.