يغيظني أن تكون كتاباتي عن المسيحيّة وسيّدها مدعاة للإستخفاف، بحجة تعارضها مع الحداثة المعرفيّة والسياسيّة، وأيضا مع العلمويّة الغربيّة من حيث هي المصدر الوحيد لأيديولوجيا التقدّم ..!
نعم، أنا مثقف، ويغيظني أن يرى بعض من أصدقائي أنّ ثقافتي تتعارض مع إيماني، فيرشقونني بتهمة الإنحدار. والحال هذه، أقولُ إنّه لا بدّ من التفريق بين الإيمان المعرفيّ الذي ينير الوعي والقلب معا، فيغدو المؤمن معه عاشقَ نور، وبين علم اللاهوت المتحوّل بسعي وهمّة بعض الطامحين الى حركة سياسيّة ..!
نعم، أنا مثقف نشوان بما زخر في نفسه وفي فكره من روائع معرفيّة، وهذا لا يتناقض إطلاقا مع كوني قد غصت إلى ما فوق أذنيّ في ” فلسفة ” سيّد المسيحيّة التي تخاطب عقلي، وتملأ فكري، قبل أن تشعّ نورا في وجداني، فيكوّن لي إيماني اللاسياسيّ واللالاهوتيّ.
رفضت، لعقود من عمري، سرّ مناولة الجسد وشرب الدمّ في ممارسات المسيحيّة، واعتبرت الأمر حدثا طقسيّا لا معنى له ولا فائدة منه. رفضت ذلك، وصمّمت على رفضي، إلى أن قيّض الله لي التفاتة متروّية بقراءة هادئة في شروحات أرسطو عن الجوهر والمادّة والشكل، فزالت عن عينيّ قشرةٌ سميكةٌ حجبت عنهما نورَ الفهم وحالت بيني وبين الحقيقة.
نعم، على هدي ” الفهم المقدّس ” الذي غمر وعيي، وأرشدني الى السرّ الكبير، تمكّنت من فهم ما يجري للخبز والنبيذ، وكيفيّة تحوّله الى جسد ودم.
فهمت فآمنت..!
أدين لأرسطو بالكثير. أدين له إيماني الإشراقيّ بعمق وجوهر رسالة المسيحيّة، من حيث هي الفلسفة الوجوديّة الحقيقيّة.