[arabic-font]
مريم تتحدث لماريا فالتورتا عن يوسف: 25 / 03 / 1944
« لقد وهبتُ حبّي بالفعل لحارسي القدّيس المتيّقظ. منذ اللحظة التي أرادتني فيها المشيئة الإلهيّة، من خلال كلمة الكاهن، عروسة ليوسف، تمكّنتُ من تثمين قداسة هذا البارّ. فباتّحادي به. كان تعويضاً لي عن عذوبة أبي الغائب. بقربه كنتُ أحسّ بالأمان كما بجانب الكاهن. كنتُ قد أدركتُ أنّ أيّ تردّد وأيّ تخوّف لم يكن ليجد لـه طريقاً حيال يوسف الذي عهدتُ إليه ببتوليّتي، فكنتُ أكثر اطمئناناً عليها من طفل في أحضان أمّه.
كيف سأخبره الآن أنّني سأصبح أمّاً؟
كنتُ أبحث عن الكلمات لأنقل لـه الخبر. إنّ هذا البحث صعب. لم أكن أريد أن أتبجّح بنعمة الله، كما لم أكن أستطيع أن أبرّر أمومتي بأيّة طريقة غير القول: “الربّ أحبّني من بين سائر النساء وجعل منّي، أنا خادمته، عروسة له”. أو أن أغشّه بإخفاء حالتي، وهذا ما لم أكن أريده أيضاً.
ولكنّني، بينما كنتُ أصلّي، قال لي الروح القدس الذي ملأني: “اصمتي أنتِ، واتركي لي الاهتمام بتسوية وضعكِ مع عروسكِ.” متى؟ كيف؟ لم أسأله.
كنتُ دائمة الإتّكال على الله، كما تترك الوردة نفسها للماء الذي يحملها. لم يتركني الأزليّ أبداً دون عون منه. لقد ساندتني يده وحمتني وقادتني إلى هنا. وسوف يفعل ذلك الآن.
يا ابنتي، كم هو جميل ومؤاس الإيمان بالأزليّ، الله الصالح!
يتقبّلنا بين ذراعيه مثل مهد. يحملنا مثل مركب إلى شاطئ الخير المضيء، يدفئ قلوبنا، يعزّينا ويغذّينا، يمنحنا الراحة والمسرّة ويهبنا النور ويهدينا. فالثقة بالله هي كلّ شيء لمن يثق به: يعطيه ذاته.
هذا المساء حملتُ ثقتي كخليقة إلى كلّيّ الكمال. لو لم يقل لي هو نفسه: “اصمتي” لكنتُ تجرّأت أن أبوح ليوسف بوجه منخفض للأرض: “لقد حلّ الروح فيّ وأنا أحمل الآن بذرة الله.” وكان هو سيصدّقني، لأنّه كان يُقدِّرُني، ولأنّه، ككلّ الذين لا يكذبون أبداً، لا يمكنه الاعتقاد أنّ الآخرين يكذبون. نعم، لكي أجنّبه الألم المقبل، كنتُ قد تجاوزت اشمئزازي من أن أنسب لنفسي فخراً كهذا. ولكنّني أطعتُ الأمر الإلهيّ. وخلال أشهر، ابتداء من هذه اللحظة، أحسّ بأوّل جرح يدمي قلبي.
أولى آلامي، لكوني المختارة للمشاركة في الفداء، قد قدّمتُها لله وتحمّلتُها، لأعطيكم قاعدة للسلوك في أوقات الألم المماثلة، عندما يتوجّب عليكم الصمت في ظرف حادث يضعكم في جوّ غير ملائم أمام من يحبّكم.
دعوا لله مهمّة الحفاظ على سمعتكم والمشاعر التي تملأ قلوبكم. استحقّوا، بحياة مقدّسة، حماية الله، ثمّ اذهبوا بسلام مطمئنّين حتّى ولو كان العالم كلّه ضدّكم، فسيدافع هو عنكم لدى من يحبّكم، وسيُظهِر الحقيقة.»
أنشودة الإله الإنسان. فالتورتا .. 1 / 28.
**********************************************
أنشودة الإله الإنسان. فالتورتا .. 1 / 52
مريم تتحدث عن يوسف:
لقد كان رجلاً، يعني أنّه لم يكن يمتلك سوى قداسته كمساعد لروحه. بالنسبة لي، فقد كانت لي كلّ نِعَم الله ضمن ظروفي كمنزَّهة عن الخطيئة. لم أكن أعرف أنّي كنتُ كذلك، إنّما في قرارة نفسي كانت منابع نشاط، وكذلك كان هناك ما يهبني قوى روحيّة. أمّا هو فلم يكن منزّهاً عن الخطيئة، بل كان يحمل في ذاته الإنسانيّة بعبئها الثقيل.
هو قدّيس في كلّ شيء حتّى الأكثر تواضعاً في الوجود. قدّيس لعفّته الملائكيّة، قدّيس لنزاهته كإنسان، قدّيس لصبره وحرارته في العمل، لصفائه الثابت دائماً، لزهده، لكلّ شيء. وتتلألأ قداسته كذلك في هذا الحَدَث.
لقد جُعِلَ شفيعاً للعائلات المسيحيّة وللعمّال وكذلك لفئات كثيرة. إنّما ينبغي أن لا يكون شفيعاً للمحتضرين والأزواج والعمّال فقط، بل لكلّ النفوس المكرَّسة لله كذلك. ومن ذا الذي، بين المكرِّسين ذواتهم في هذا العالم لخدمة الله، مهما يكن، قد كرَّس نفسه مثله لخدمة إلهه، راضياً بكلّ شيء، متنازلاً عن كلّ شيء، متحمّلاً كلّ شيء، متمّماً كلّ شيء بسرعة وفرح وعن طيب خاطر على الدوام كما فَعَلَ هو ذلك؟ لا يوجد أحد.
[/arabic-font]