[arabic-font]
يسوع يتحدث لفالتورتا عن مريم:
البلا عيب.
كي يتجلّى للعالم بالهيئة الجديدة والكاملة التي افتَتَحت زمن الفداء، لم يختر الله نجماً من السماء عرشاً له، ولا قصر ملك جبّار لإقامته، كما لم يرغب في أجنحة الملائكة لتطأها قدماه، لقد أراد أحشاء بلا عيب.
حواء أيضاً كانت قد خُلِقَت بلا عيب، ولكنّها أرادت تلقائيّاً أن تفسد نفسها في الوقت الذي كانت موجودة في عالم نقيّ، بينما عاشت مريم في عالم فاسد، لا يتردّد في جرح طهارته بأدنى فكرة موجّهة نحو الخطيئة. لقد كانت تعلم بوجود الخطيئة وشاهَدَت منها أشكالاً وألواناً والأكثر فظاعة، رأتها كلّها حتّى الأبشع والأفظع: قتل الله. ولكنّها عَرفَتها لتكفّر عنها، ولتكون على مدى الدهور تلك التي ترأف بالخطأة وتصلّي من أجل فدائهم.———–
أنشودة الإنسان الإله.. فالتورتا — 1 / 1
يسوع يتحدث لفالتورتا:
البلا عيب صاحبة القلب المملوء نعمة..
قُلتُ: “ملأ الحبّ قلب مريم منذ اللحظة الأولى للحبل بها”. من ذا الذي يمنح النفس النور والمعرفة؟ إنّها النعمة. ومن يجعلهما يختفيان؟ الخطيئة الأصليّة والخطيئة المميتة.
مريم الخالية من كلّ عيب لم تغب أبداً عن ذاكرة الله، عن جواره وحبّه ونوره وحكمته.
فيما بعد، سوف أجعلكِ تتأمّلين بالروح أغوار البتوليّة في مريم. ستختبرين في ذلك دُواراً سماويّاً، الآن لاحظي كيف أنّ حمل خليقة “خالية من كلّ عيب يسبّب ابتعادها عن الله” في الأحشاء، يمكنه أن يمنح الأمّ التي حبلَت بها طبيعيّاً فقط وبشريّاً، ذكاءً فائقاً، وفعليّاً نبوّة. إنّها نبوّة ابنتها التي أعلنَتها “ابنة الله”.
تخيّلي كيف كانت ستبقى حالة الأبوين الأوّلين النقيّين لو كان وُلِد لهما أبناء أنقياء حسب مشيئة الله. انظروا أيّها الناس الذين تدّعون الطموح إلى الكمال وأنتم برذائلكم تتوجّهون إلى الشيطان، هناك وسيلة قائمة للوصول إلى الكمال: معرفة الإفلات من سيطرة الشيطان المشؤومة لِتَدَعوا لله أمر تنظيم الحياة والمعرفة والخير دون الرغبة في شيء آخر غير الذي أعطاكموه الله -وكان هذا أقلّ قليلاً من اللانهاية- لتتمكّنوا من التوالد والنموّ باستمرار نحو الكمال، أبناء بشراً بالجسد وأولاد فطنة بالروح، يعني منتصرين وقادرين، يعني عمالقة في مواجهة الشيطان الذي كان سيبقى مسمّراً في الأرض آلاف القرون قبل الساعة التي سيصبح فيها هكذا، ومعه كلّ الشرّ الكامن فيه.————-
أنشودة الإنسان الإله.. فالتورتا — 1 / 6
يسوع يتحدث لفالتورتا:
الطفلة الكاملة.
ها هي الطفلة الكاملة بقلب حمامة والبسيطة والطاهرة: وهي التي لم تستطع السنوات ولا الاحتكاك بالعالم أن تمسّها ببربريّة الفساد ولا بطرقها الملتوية والكاذبة. لقد رفضَت مريم هذا الاحتكاك، فتعالوا إليّ وأنتم تمعنون النظر إليها.
أنتِ، يا من ترينها، قولي لي: هل اختلفَت نظرتها الطفوليّة الآن عن نظرتها يوم رأيتِها عند الصليب، أو في غبطة العنصرة، أو ساعة ظَلَّلَ جفناها عيني الغزالة في رقادها الأخير؟ لا… فهنا نظرة الطفل الحائرة المندهشة، وبعدها ستكون نظرة البشارة المندهشة والموقّرة، وثمّ النظرة المطوَّبة لأمّ بيت لحم، وبعدها النظرة الهائمة لتلميذتي الأولى الفائقة السناء، ثمّ النظرة الممزّقة للمتألّمة في الجلجلة، ومن ثمّ نظرة القيامة والعنصرة الـمُشِعَّة، وأخيراً النظرة الموشّحة للنعاس الانتشائيّ للرؤيا الأخيرة. إنّما كان كذلك أنّ عينها التي فتحَتها على أوّل رؤية كما أغمضَتها على آخر ضوء بعد رؤية أفراح كثيرة وأهوال كثيرة، بقيَت صافية طاهرة، هدب السماء الهادئ الذي يشعّ دائماً وبنفس القدر تحت جبهة مريم. فالغضب والكذب والكبرياء والنجاسة والحقد والفضول، كلّ هذا لم يستطع أن يمسّها بغيومه الداكنة أبداً.
إنّها العين التي تنظر إلى الله بحبّ وسط البكاء والضحك، والتي من أجل محبّة الله تلاطف وتسامح وتتحمّل كلّ شيء، ومحبّتها لله جعلَتها منيعة في مواجهة هجمات الشرّ الذي استخدم العين كثيراً لينفذ إلى القلب. إنّها العين الطاهرة الوديعة والمباركة التي يملكها الأطهار والقدّيسون والمحبوبون من الله.
لقد قُلتُها: “العين نور الجسد، إذا كانت عينكَ طاهرة فجسدكَ كلّه نيّر، ولكن إذا كانت عينكَ شرّيرة فجسدكَ كلّه يكون مظلماً”. فالقدّيسون جميعاً كانت لهم هذه العين التي هي نور للنفس وخلاص للجسد لأنّهم، على مثال مريم، لم ينظروا خلال حياتهم كلّها إلاّ إلى الله، بل أكثر من ذلك أيضاً فإنّهم كانوا دائمي التذكّر لله.
أنشودة الإنسان الإله .. فالتورتا — 1 / 10.
——————————————————————————————————
يسوع يتحدث لفالتورتا عن مريم:
ذكاؤها ورشدها.
ما تراه يكون الرشد؟ إنّه هبة من الله. يستطيع أن يمنحها بالمقدار الذي يشاء ولمن يشاء ومتى يشاء. فالرشد هو أيضاً من الأمور التي تجعلنا نتشبّه بالله أكثر: إنّه روح موهوب بالذكاء والرشد. فالرشد والذكاء هما من المواهب المجّانيّة الممنوحة للإنسان في الجنّة الأرضيّة، وكم كانت حيويّة النعمة غير المنقوصة والفاعلة حين كانت لا تزال حيّة في نفس الأبوين الأوّلين!
جاء في سفر يشوع بن سيراخ: “كلّ حكمة إنّما هي من لدن الربّ الإله، وقد كانت لديه على الدوام قبل كلّ الدهور“. أيّة حكمة إذاً كان يملكها البشر لو ظلّوا أبناء الله؟
الثغرات الحاصلة في ذكائكم هي الثمّرة الطبيعيّة للسقطة التي ارتُكِبَت ضدّ النعمة والشرف. وبفقدان النعمة أُبعِدَت الحكمة عدّة قرون مثل نيزك يختبئ داخل ضبابيّة عملاقة، فلم تعد تصلكم بانعكاسات صافية، ولكن عبر قتامات تصبح أكثر كثافة دائماً بفعل إخلالكم المتكرّر بالأمانة.
ثمّ أتى المسيح وأعاد النعمة إليكم هبة عظمى من محبّة الله. ولكن هل تجيدون الحفاظ على هذه الجوهرة نقيّة طاهرة؟ أبداً. فعندما لا تحطمونها بإرادتكم الشخصيّة بارتكاب الخطيئة، تلطّخونها بخطايا مستديمة، مع كونها أقلّ فداحة: إهمال، تعلّقات دنسة بميول، وإن لم تكن مرتبطة مباشرة بالرذائل الرئيسيّة السبع، فإنّها تُبهِت صفاء نور النعمة وفعاليّتها. وبعد ذلك، ولتعتيم الوضوح الرائع للذكاء الذي مَنَحَهُ الله للأبوين الأوّلين، كانت قرون وقرون من الفساد قد فَعَلَت فعلها في إضعاف القوى الجسديّة والقدرات العقليّة.
إلاّ أنّ مريم لم تكن فقط الطاهرة، حوّاء الجديدة التي خُلِقَت ثانية لمسرّة الله، بل كانت حوّاء الفائقة، رائعة الباري تعالى، كانت الممتلئة نعمة، إنّها أمّ الكلمة في فكر الله.
يقول يشوع بن سيراخ: “نبع الحكمة هي الكلمة”. ألم يضع الابن حكمته الذاتيّة على شفتي والدته؟
إذا كانت شفتا نبيّ مُكلَّف بقول كلمات يوحي بها إليه الكلمة، الذي هو الحكمة ذاتها، لينقلها للبشر، قد طُهّرتا بجمرة متأجّجة، فهل يَحجُب الحبّ عن عروسته التي ما تزال طفلة، والتي يُفتَرَض أنّها ستحمل الكلمة في أحشائها، دقّة ورفعة اللغة؟ فالأمر لم يعد متعلّقاً بطفلة، وفيما بعد بامرأة، ولكنّه يتعلّق بخليقة سماويّة مندمجة بحكمة الله ونوره العظيم.
ليست المعجزة قائمة في الذكاء الخارق الذي ظَهَرَ لدى مريم منذ الطفولة، كما كان فيما بعد فيّ أنا؛ إنّما المعجزة هي في فعل احتواء الذكاء اللامتناهي الذي كان يكمن فيها دون أن يُبهِر الجموع أو يثير الانتباه الشيطانيّ.
أنشودة الإنسان الإله .. فالتورتا — 1 / 12.
———————————————————————————————-
[/arabic-font]