[arabic-font]
بدأ الاستاذ جوزيف الهاشم مقالته بمطلع لقصيدة للشاعر أحمد شوقي يقول فيه: «وُلِدَ الرفْقُ يومَ مولدِ عيسى…»
أبدأُ بالتساؤل عمّا دفع الأستاذ الهاشم إلى احترام تسمية أحمد شوقي للمسيح باسم عيسى، والبقاء أمينا لها حتى نهاية مقالته، ولم يذكر اطلاقاً اسما آخر من أسماء الكتاب المقدّس له.
لا أستحسن تحميله حوّاء وزرالخطيئة ولا نسبه البشر لها، كما لا أجد أيّ مبرّر له في سياق وهدف المقالة التي كتبها.
قوله هذا جاء كالتالي: ” كان هو المولود البشريّ المنزّه عن خطيئة حواء، وكانت الأرض تلجّ مع أبناء حواء بشهوة الغريزة والمعاصي والفواحش”.
الصحيح بحسب العقيدة المسيحيّة هو: المسيح هو المولود المنزّه عن خطيئة آدم وحوّاء، وعن كلّ خطيئة أرتكبتها البشريّة، وبقي الأبوان الأوّلان منزّهين عنها.
خطيئة حوّاء.. أبناء حوّاء… هل نبرّئ آدم من فعلته؟ أما حمّله الربّ مسؤوليّة عظمى؟ أما سلّطه على كل ما في الأرض؟
ثم إنّ تحويل مصطلح أبناء آدم إلى أبناء حوّاء لا أجدُ فيه تجديدا موفّقا للصورة المرسومة هنا. أصنّفه في باب الإنزلاق إلى البحث عن مصطلحات جديدة أو اختراعها، بهدف لفت النظر. تجديد للتجديد. تغيير للتغيير، فإذا به تزوير يخلو من التنوير. هذا قد يلمّع صورة الكاتب، ولكنّه بالتأكيد يُضِلّ القارئ.
مغالطة أخرى جاءت كالتالي: ” في ظنِّه: إنْ هو هدَر دمَهُ مسفوكاً على الصليب قد يفتدي خطايا العالم ويزْجُر آلة الشرّ الكافرة في النفوس، وهَالَهُ، أن يرى الكفر بعده يتفاقم وتتكاثر الشياطين وتتأجّج الجهنميات باللِّظى”.
الصحيح هو: إنّ عيسى، أو يسوع، أو المسيح لم يظنّ. هو تيقّن إنّ هدرَ دمه سيفتدي العالم وخطاياه. وهذا ما كان. مصطلح العالم هنا لا يمكن ان نعمّمه ونقصد كلّ أبناء آدم وحواء. إفتدى العالم تعني أنّه افتدى من أراد أن يُفتدى.. فتح الطريق لمن يريد.. وهذا ما هو حاصل فعلا حتى اليوم…
الصحيح هو أيضا: المسيح لم يتوهّم بأنّ سفك دمه سيزجُر آلة الشرّ الكافرة في النفوس. لا تعميم. هو تيقّن إنّ دمه سيزجُر آلة الشرّ في بعض النفوس. في النفوس المريدة، الطالبة للنور. وهذا ما حصل يومَها، ولا يزال حاصلاً حتى اليوم.
مغالطة تالية لا سماح فيها: ” في البدء، يوم كان الكلمة كان البشر على همجيتهم أكثر رحمة، وأسمح نفْساً، وأعمق إيماناً، وأرأف دموية، وأرحب عدالة، وأكرم إنسانية، وأرقى.. “.
مَن قال إنّه يوم كان الكلمة كان البشر؟ الكلمة كان في البدء، ولكنّ البشر لم يكونوا في البدء. حذارِ ثمّ حذارِ، الكلمة خلق البشر بعد البدء بما لا يقاس زمنيا…
في نهاية مقالته، يعود الأستاذ الهاشم إلى قول أحمد شوقي مرّة ثانية «وُلِدَ الرفقُ يوم مولدِ عيسى…» فيكثر من التساؤل ومن التجاهل باستعماله تعبير لست أدري…
” لست أدري ما إذا كان الشاعر أحمد شوقي يعني ذلك الـ «عيسى» الذبيح الذي يبارك الجزار”. ” هل مع عيسى المسمّرعلى الصليب”.
إعتقادي: لا يمكن لأحمد شوقي أن يكون قد عنى المصلوب الذبيح. أنا لا يهمّني إيمان أحمد شوقي الشخصيّ. لا يعنيني إن كان في العلن على الإسلام وفي سرّه على المسيحيّة. ما يعنيني هو ما أراد إيصالَه إلى قرائه من خلال رسالته كأمير للشعراء، وما وصل مما أراد إيصاله. لو أراد أحمد شوقي أن يقول تلميحا للمسلمين إنكم على خطأ فالمسيح صُلب، فالرسالة في قصيدته ظلّت مغلّفة بألف قشرة، وهي لم تصل. إيصالُها بالتحايل لم ينجح.
إعتقادي أخيراً أنّه لو كانت هناك رسالة ما أراد ألأستاذ الهاشم إيصالها باستعماله تعابير ” عيسى المصلوب . وعيسى المسمّر. وسواها..” فهي لم تصلْ. ظلّ القارئ محتارا في فهمه، غريباً عن مرامي الكلام. لا أظنّ أنّ الكاتب جاهل حقيقة أنّ عيسى لم يُصلَب. لعلّه شاء الدخول إلى صالة حوار الأديان من باب سريّ. المهمّ عندي أنّه لم يوفّق، وظلّت محاولته مجرّد محاولة.
نصر الأستاذ الهاشم اقتصر برأيي فقط على حُسن اختياره لعنوان مقالته الذي ظلّ هائما عن محتوى المقالة ..!
[/arabic-font]