القسّيس المؤذّن، في الكنيسة في القدس، يهدف لتحدّي دولة إسرائيل. أنصتتُ إليه مرّتين. لي ملاحظةٌ في الشكل:
ما رأيتُ في القسّيس قسّيساً. إنّه لم يحملْ صليباً في يده. لم يعلّقْ صليباً في رقبته. لم يرسمْ صليباً عل ثوبه.. قلتُ: هل تخلّى الرجلُ عن عقيدة صلب المسيح؟
ملاحظةٌ ثانية في الأساس:
إن تخلّى واحدٌ من القساوسة عن الصليب، ليدخلَ في لعبة حوار الأديان المسدودة الأفق، لكفّ عن كونه قسّيساً مسيحيّاً، وتحوّل إلى قسّيس نصرانيّ، أو، إن شئتَ تسميةَ الصور بأسمائها، قلْ صار قسّيسا ًعيسويّاً. الخلافُ المستعصي بين المسيحيّين والمسلمين يبقى الصليب… { وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ } سورة النساء الآية 157.
إنّه لمن المستطاب، بالرؤية البشريّة الدنيويّة للأمور، أنْ يُصار إلى البحث عن نقاط التلاقي بين المسيحيّة والإسلام. لعلّ الباحثين الآتين من الروابط الطائفيّة يفلحون في تقليل عدد المذبوحين بإسم الله يومياً.
المستطابُ باللغة البشريّة مسدودٌ أفقُه كليّاً باللغة الإيمانيّة العقائديّة الروحيّة للديانتين .
إنّ المسيحيّ الذي يعترف بنبوّة محمّد يكون قد أنكر ألوهيّة المسيح. هو يستطيع ذلك بفعلٍ سياسيّ أو إجتماعيّ، ولكنّ هذا يبقى مستحيلاً بالفعل الإيمانيّ. كيف بالأحرى لو كان المسيحيّ هذا قسّيساٌ، يتموضع كمؤذّن ويقول: أشهدُ أنّ محمّداً رسولَ الله. لا، هو لا يستطيع فعلَ ذلك، ويبقى قسيساً.
أشهدُ أنّ محمّداً رسولَ الله تعني: أشهدُ أنّ المسيحَ ليس ابنَ الله، الأقنوم الثاني في الإله الواحد المثلث الأقانيم، وأشهدُ أنّ المسيحَ لم يُصلَبْ، بل شُبّه ذلك لصالبيه.
إنّ المسلمَ الُمقرّ بصلب المسيح، هو أيضا من جهته، شاكٌ بصحّة القرآن، وبالتّالي هو منكِرٌ لنبوّة محمّد ومرتدّ. إن الآية التي تقول “وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ” واضحةٌ جداً، وهي تعني أنّ “عيسى ابن مريم” لم يُصلَب.
بناءً على ما تقدّم فالشكّ يأخذني إلى احتمالٍ باتَ راجحاً في ذهني: إنّ هذا الشريط قد يكون مركّبا، ولغاية ما…
مثلُ هذه المحاولات تبقى فقّاعاتٍ صوتيّةً لن تثمرَ. تلاقي المسيحيّة والإسلام لن يكونَ، إلّا بتدخّل سماويّ مباشر، يُصحَّحُ فيه خطأٌ ما، ارتكبه أحدٌ ما، في وقتٍ ما…!
أمّا لجهة تحدّي العدوّ الإسرائيليّ فلي اختصارٌ فيه:
لن تفلح أمّتُنا البائسةُ في تحدّيها أحداً، ما لم تتحدّى نفسَها. بدءا بكُتُبِها.. كلِّ كُتُبِها…!