شرب الدم. أكل الجسد. كما أراهما. 1

[arabic-font]

ألقيت في كلام سابق صفة المؤمنين على الشرفاء. قلت إنّ المؤمنين بالمعنى الشائع للكلمة هم الذين يتناولون القربان المقدّس. أنكرت عليهم هذا الحقّ. حجّتي كانت إنّهم ليسوا بالضرورة شرفاء. قلت إنّ الإلتزام بتناول القربان المقدّس واحترام مواقيته لا يؤمّن تأشيرة الدخول إلى نادي المؤمنين..!

أفصّل. الحديث يدور حول قولين.

أنَا هُوَ خُبْزُ الحَيَاة. مَنْ يُقْبِلْ إليَّ فَلَا يَجُوعُ، وَمَنْ يُؤْمِنْ بِي فَلَا يَعْطَشُ أَبَدَاً

خُذُوا كُلُوا هَذَا هُوَ جَسَدِي. خُذُوا اشْرَبُوا هَذَا هُوَ دَمِي. إفْعَلُوا هَذَا دَوْمَاً لِذِكْرِي.

شَرّح هذين القولين، تُفتحْ لك نافذةُ المعرفة. فَكّ رمز اللغز لا يسهُل إلّا إذا نُزّلت النعمة. من فوق.

يوم التقى بالسامريّة قال السيّد لها: عندي الماء الذي إن شربتِ منه لن تعطشي أبدا. المرأة لم تفهم. قالت اعطني الماء، توفّرْ عليّ الإستقاء كلّ يوم من البئر.

في العشاء السرّي قال للتلاميذ، كلوا جسدي فأغنيكم عن كلّ أكل ولن تجوعوا أبدا. التلاميذ لم يفهموا أيضا، إلّا بعد القيامة، وربّما بعد الصعود ونزول الروح القدس.

القول قولان، والمعنى واحد..!

كلوا جسدي واشربوا دمي، يمتلئْ جوفُكم بي، فلا تشتهوا سواي بعدُ. تشتهوني أنا وحدي. تشتهوا الفوقيّات وتنسَوا الأرضيّات. تغتنوا إلى الأبد. إن اشتهيتم ما على الأرض، وما في بطنها، تبقوا في جوع دائم. فقط، ثمار السماء تشبعكم، إن أنتم اهتديتم إلى سرّ زرع شجرتها وإنباتها.

القربان الذي يصطفّ المؤمنون وغيرُ المؤمنين أمام الكاهن لتناوله، لا يعود شيئا إن لم يحفّز الفكر والقلب والروح للنهوض والكفاح، فلا يعودوا عبيدا لما يظنّون أنّه مُلك لهم، بينما هم في الحقيقة مُلك له. إن لم يَقبل المتناولون القربان هذه الحقيقة، فالقربان لن يعدو كونه خبزا، لا يغني عن جوع.

أكلُ الجسد ليس شيئا ما لم تمتلئ الأرواح به، حتى ينموَ الشوق ويزهرَ التوق، فيستحيلان عشقا وحبا. هنا يتضاءل الانتماء إلى الأرض بتؤدة، وإلى أن يضمحلّ، فيزول سلطان سيّد هذا العالم عن النفس، ويتخلّى عن ملكيّته لها صاغرا.

أكلُ الجسد يُشبع بالفوقيّات. شربُ الدم يطهّر من رجس الدنيويّات ودناءاتها. شربُ الدم لا يقلّ أهميّة إذا عن أكل الجسد. وإلّا يكون الإنسان كَمَن يسعى إلى تبديد رائحة جسمه الكريهة بالمطيبات والعطور عوضا عن إزالتها بالماء والصابون.

شُرب الدم وأكلُ الجسد ليسا شيئا إن لم يؤديا إلى تحريض الروح واستنهاضها..! هنا تنقلب الصورة الشائعة فيتمّ استعباد الروح للجسد، ولا تبقى عبدة له. هنا لا يبقى في دواخل المتناولين مكانا لسيّدين يعبدانهما.

إشربوا دمي وكلوا جسدي، أصِرْ فيكم وتصيروا فيّ. نصِر كلانا واحدا. إن أكلتَ جسدي وشربتَ دمي ذقت في حلقك حلاوة لا تماثلها حلاوة، وهنا تجدْ نفسَك أمام استحالة أن تأكلَ سواي، بعد حلول النعمة، مهما تعرّضتَ لإغراءات الأبالسة.

حيرتي: هل يدرك المتناولون هذه الحقيقة؟ أم تُراهم يصطفّون لتناول القربان على أمل أن يتطهّرَ جوفُهم بعمليّة عجائبيّة معجزيّة، تكون مكافأة على حضورهم القدّاس واشتراكهم في التراتيل؟

خوفي ان سوادهم لا يدركون ما هم فاعلون..!

أترهّب لحظة المثول أمام الكاهن لتناول القربان المقدس، لخشية فيّ من ألّا أكون مستحقّه.. أنا غيرُ فاعلٍ ذلك يا ربّ، وإلى أن تأذن لي بذلك..!

 

 

 

[/arabic-font]