أنصتتُ صدفة إلى شيخ أثقلتْ موعظتُه على نفسي وروحي، كما أثقلتْ على الكثيرين ممّن أنصتوا إليه بين جمهور المصلّين في مسجده بمصر، ولو إنّي على يقين بأنّ قلّة من الحمقى بينهم قد استحسنوها.
قال الشيخ الفاضل الدكتور في نهاية خطبة رنّانة دعا فيها أكثر ما دعا إلى الكراهيّة والحقد:
“أللّهُمّ أعزّ أمّة الإسلام، أللّهُمّ وفّق أمّة الإسلام، أللّهُمّ أنصر أمّة الإسلام. أللّهُمّ أهلك اليهود والنصارى، أللّهُمّ أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تغادر منهم أحدا أبدا، أللّهُمّ عليك باليهود والنصارى ومَن والاهم، أللّهُمّ ..أللّهُمّ ..أللّهُمّ …”
تكدّرت نفسي لسماع هذه الحماقات، وبقيت على هذه الحال أيّاما، إلى أن أدركني الله برفقه، فوقعتُ على موعظة لشيخ يعي ما يتلفّظ به من كلمات، ولعلّه تكدّر بما كدّرني، قال:
“نحن المسلمين، ندعو إلى نصرة أمّة محمّد، وهلاك سواها من الأمم؛ ولكنّي، حيال هذا الواقع، أجد نفسي مأزومة، فأسألها، كما أسألكم أيّها الأخوة، عن الموضع الذي سيكون بإمكاننا، أنا وأنتم، أن نشتري حوائجنا منه، فيما لو استجاب الله لدعائنا، وأهلك الجميع محتفظا بأمة الإسلام وحدها.”
ثم أضاف الشيخ المستنير:
أيّها الأخوة، لو هلك من ندعو عليهم بالهلاك، فمن أين لي أن أشتري حذائي، وهو إيطاليّ؟
من يصنع لي عباءتي، وهي انكليزيّة؟
ألإنكليز الكفّار يصنعون لي شماغي. من سيصنعه لي عندما يهلكون؟
أيّها الأخوة، سيارتي يابانيّة. هاتفي أميركيّ.
وإن هلك أهل الصين، فمن أين لنا بالفوَط الصحيّة؟ هل سيكون علينا العودة إلى أيّام البحصات الثلاث؟
أدمغتنا، أيّها الأخوة، أدمغتنا ! هل ستكون أدمغة أهل أمّة الإسلام قادرة على ابتكار ما تحتاجه أمّتهم؟
أكبرتُ في الشيخ صراحته وحكمته وجرأته؛ في زمن أشابت غرائبُه الأسود، فتجرّأت بنات آوى عليها…!