أفكّر بحدث طيران القديس جوزف كوبرتينو الذي يدعو في ظاهره المطّلع عليه إلى السخرية، ما لم يتعمّد بالرويّة ويتثبّت بالإيمان.
طيران جوزف كوبرتينو حدثَ في مناسبات عدة، وهو موثّق بحضور وشهادة أكثر من سبعين شخصا. الحدث لا أتشكّك به، ولا أصنّفه في الخوارق.
إرتفع القديس عن الأرض جسديّا عندما بلغ ذروة التغييب الإراديّ لعالم المادّة. ألغى الأرض وما عليها من فكره ومن شعوره فارتفع عنها بجسده. هو، كما حال بطرس إذ مشى على الماء، نجح في العودة إلى طبيعة آدم الأولى قبل السقوط، وأظنّ أنّه تعدّاها أيضا. هنا، أعيدَ له السلطان المفقود، فتجاوز قوانين الطبيعة وتغلّب عليها.
أعيدَ له السلطان الروحي. السلطان الروحي يوهَب للروح فقط. السلطان يوهَب للروح عندما تتسلطن هي، وتحكم الجسد. بقدر ما تلغيه من المعادلة، بقدر ما تكون سطوة السلطان جليّة.
السلطان يوهَب.. ولكنّه أحيانا يُغتصب..! السلطان الذي أغتصبُه يكون مذاقه في حلقي حلوا. يكون إشعاعه في مداري مرئيا. إشعاعاته يسمّونها غرائب أو خوارق، أسمّيها بركات ونِعَم..!
إغتصاب السلطان فعلٌ يفرّح قلب الربّ كما لا يفرحّه فعلُ استجدائه..!
لا أرى فارقا بين قدرة بطرس الصخرة على المشي فوق المياه، وقدرة جوزف على الطيران في الهواء.
ملفتٌ أنّ جوزف كان يقع على الأرض دوما في لحظة تفكيره بذاته. أيضا بطرس بدأ يغرق في لحظة تفكيره بذاته.
لا مجال عندي للشكّ في الرواية لسبب واحد:
لأنّي لا أرى نفسي عاجزا عن الطيران. لا أراك أنت عاجزا عنه أيضا.
صدّقني، إن أردنا استطعنا، ولكنّ الطريق وعرٌ وطويل. بابُه الإيمان. زادُه الإشتهاء.
إشتهاء السماء. السعي لبلوغها. الخطوة الأولى حبّ لكلّ مَن وما يحيط بك في عالم المرئيّات. كلّ مَن وما يحيط بي، ويحيط بك، دونما استثناء..!
دونما استثناء…! هل تستطيع اشتهاء السماء والبدء بحبّ كلّ مَن وما يحيط بك ؟ دونما استثناء؟
أنا لا أستطيع. حتّى الآن أرى حبّ كلّ مَن وما يحيط بي ثقيلا.. حتّى الآن..!
جوزف كوبرتينو استطاع. عندئذ طار في الهواء..!