أنا في يحشوش. تلال القراين. المكانُ هذا أحببته في إطلالَتي الأولى. أتُراها كانت فعلاً إطلالَتي الأولى؟
أنا على التلّة العليا. إلى يميني الخِربةُ. والخِربةُ من الخراب. أعترضُ على التّسمية.
لا أراها خرابا.
بعضٌ من حجارتها تهاوَت. بعضُها لا زالت شامخةً حيّةً، وكأنما فقط لتحكي ألفَ حكايةٍ وحكايةٍ عن جبابرة عاشوا هنا.
مِغلاقُ بابها ترك على الصّخر ألفَ سرٍ وسر من حكايات أولئك الطّيّبين الخيّرين.
عتبةُ الدار إنْ حكتْ، سردَت أقاصيصَ عنْ رجالٍ تعملقوا. أثبتوا أن العزمَ ليس كلمةً في القاموس، وأن ذرّةَ الإيمانِ كفيلةٌ بنقل الجّبل من مكانٍ الى مكان.
قناطرُ شبابيكِها – على تواضعِها – تقولُ إنّ العبقريةَ ليسَتْ حَكْراً على حَمَلَةِ القَلمِ أو الريشَة أو القَيثَارةِ.
الخِربةُ ليسَت خَراباً.
هاكَ أهلُوها. أولئك الطّيّبون الأوّلون. أصحابُ صحوة ونخوة. ذوو ذمّة وهمّة. إذا قالوا فعلوا وإذا وعدوا وفَوا.
أراهم ولا أشكّ في ما أرى. هذا أبو مسعود بقامتِه المقدودةِ من صخور القراين. أسمعُ صوتَه الهادرَ تحت القبو وهو ينهَرُ ثورَه الأشقرَ، فينتظمُ تحتَ النيرِ، وتغرزُ السّكّةُ في الأرضِ على أحلى ما اشتهاهُ أبو مسعود من حال.