رَبٌّ وشعبٌ وكتاب

وسلاحي يا أمّاه.. ما سلاحي؟

ريشةَ عصفور حييٍّ.. بنفسجيّ العين، مكسور الجناح

تستقي مِدادَها من جبيني.. من دمع دواتي

من قميص يوسفَ.. مصبوغا بلون حياتي

ولون حيواتي..

من شرايينَ مزّقها الذئبُ.. من جراحي..

من أكاليل الزهر..

من ماء البحرِ.. من حبل ذكرياتي

من لون قمري المكسورِ..

من حبي المهدور.. من دمي المُباحِ.

ريشة عصفور صديق.. ترسم، خارجَ كلّ المسافاتِ..

وفوقَ وبعدَ..

وفي ما يفوق، وما يسبق.. وما يتعدّى

كلّ الطقوس

وكلّ الدروس

وكلّ الدساتير والقوانين و النصوص..

ترسم بين النقاط والفواصل والسطور

قصّةَ شعبٍ بائسٍ مهزوم

يعيشُ بالشعارات

يموتُ لتحيا الزعامات

يفترشُ الطريقَ أمام السفارات..

ويسمّي هذا نصرا من الله.. وفخرا يدوم

إن هو حصل على  إذن مرور.

تخطّ بين النقاط والفواصل والسطور

حكايةَ شعبٍ بليّتُه الطوائفُ والعشائرُ والمذاهبُ.. والغرور

يتوكّل على رَبّ مُسِنّ غَضوبٍ.. يحبّ الإنتقام، َغيور

حاباهُ .. إستجدى رضاهْ ..

لا يكلّ..

لا يملّ من مدّ يديه.. لسماهْ

حرق له البخّور..

بنى له الكنائسَ

والجوامعَ..

نذر النذور..

وانزوى.. ينتظرُ الفرجَ من عُلاهْ.

قصةَ شعبٍ.. ألِفَ العيشَ في الحُفَر

بين اللحود والكفون…

ألِفَ العيشَ في القبور..

عبْرَ العصور..

وسْط الجماجم والنعوش.. والنقوش.. والصوَر

يهوى الطربَ والرقصَ.. ينتشي بالغناء..

يعبدُ الزعماء

يصفّقُ إن خطبوا.. لخطابهم

يفخرُ بقماش ثيابهم

يقوى بقواهم.. يسترُ فقرَه بغناهم

ويحتمي..

يحتمي بجلودهم من بردِ الشتاء.

يدعو.. هلمّوا، هُبّوا وصلّوا. إذا هُمُ اعتلّوا.. وهمْ منه براء

يفزع ويكبّر.. إن همْ عليه تكبّروا..

وتجبّروا..

يلطّم في رأسهِ

ويجرّحُ..

يبكي.. إذا ماتوا

يخشى من بعدِهِم على نفسهِ

من الذلّ من الهوانِ من الفناء..

يتبعُهم.. أعمى.. إلى الهاوية، إلى الفراغ، إلى الهباء، إلى الخِواء .

يأكلُ الرزّ بالخبزِ

ويعتزّ.. يعتزّ بما همْ فيه من العزِّ

ويسمّي هذا قَدَرا

وتقسيما من الربّ للرزق.. وهبةً منه.. وعطاء

وينسى..

وينسى أنّ ربّه مسنٌ هَرِمٌ.. وأنّ لا أملَ من أذنه الصَمّاء

وأنّ الإتّكالَ عليه هَراء..

وأنّ التوسّلَ إليه، والتسوّل على بابهِ لا يزيلُ البلاء…

هُبَّ يا شعبيَ المسكين هُبَّ..

أهتُكِ الحُجُبَ..

دعِ السماءَ للسماءْ

وافتحْ لنفسِك على الأرض دُرُبا..

كُفّ عن رفع الأيادي إلى الفضاءْ

عن التسلّي بنخرِ الأنوف وقتل الذباب..

والتسكّع في الملاهي..

والتمرّغ في التراب.

مزّق الأقنعةَ..

أزِلِ الحواجزَ.. فتّحِ الأبواب..

وانسَ..

إنسَ كلّ كلام عن ثَواب..

عن عِقاب..

هُبّ يا ساكنَ الوديان هُبّ..

إسأل السؤال..

إصعدِ الجبال..

إجتَزِ الهضاب.

هُبّ يا تابعَ الخصيان هُبّ..

حرّر الأحرار..

إتبع الأخيار..

نظّفِ الأثواب.

هُبّ يا عابدَ الأوثان هُبّ..

هُبّ يا سامعَ الأذان هُبّ..

واخترعْ..

إخترعْ لكَ من جديدِك ربّا..

ربّا يحرّضُك..

على  كسر القيود

وهدم السدود

وفتح الحدود

يحرّرك من قيد الحديد

ويعبُر بك..

من حياة العبيد

إلى سيادة العقل..

إلى عبادة الحرف، وتقديس الكتاب..