يسوع يتحدث عن الطلاق وعن التعفف والمخاواة بين الزوج والزوجة.

«ما الذي تريدون معرفته؟»

«كنّا نريد معرفة ما إذا كان مسموحاً للرجل أن يُطلِّق امرأته لسبب ما. هذا أمر يحدث غالباً، وفي كلّ مرّة تَحدُث جَلَبة حيث يَحصل. والناس يقصدوننا لمعرفة ما إذا كان ذلك مسموحاً به، ونحن نُجيب بحسب الحالات.»

«مع الموافقة على أن يتمّ ذلك في تسعين بالمائة مِن الحالات. والعشرة بالمائة من الحالات التي لم توافِقوا عليها فهي إمّا لفقراء وإمّا لأعداء لكم.»

«كيف عرفتَ؟»

«لأنّ الأمور تسير على هذا المنوال في كلّ المسائل البشريّة. وأُضيف فئة ثالثة: تلك التي كان الطلاق مسموحاً فيها، فهو يبرَّر أكثر، تلك التي يكون فيها لأوضاع أليمة، كما في حالات برص غير قابل للشفاء، حُكم مدى الحياة، أو مَرَض مُخجِل…»

«إذن، بالنسبة إليكَ، هو غير مسموح به على الإطلاق؟»

«لا بالنسبة إليَّ ولا بالنسبة إليه تعالى، ولا بالنسبة إلى أيّ نَفْس مستقيمة. ألم تقرؤوا أنّ الخالق، في بدء الزمان، خَلَقَ الرجل والمرأة؟ وأنّه ذَكراً وأنثى خَلَقَهما. لم يكن في حاجة لأن يَفعَل ذلك. كان يمكنه أن يَخلق لِمَلك الخليقة، المخلوق على صورته كمثاله، طريقة أُخرى للإنجاب، وكانت ستبقى صالحة مع كونها مختلفة عن أيّة وسيلة طبيعيّة أخرى. وقال: “لهذا يَترك الرجل أباه وأمّه ويلزم امرأته فيصيران كلاهما جسداً واحداً”. لقد جمعهما الله في وحدة فريدة. فَلَم يَعودا إذن جسدين “اثنين” بل هما جسد “واحد”. وما جَمَعَه الله، لأنّه رأى أنّه “أمر حسن”، لا يفرّقه إنسان، لأنّه لو حَصَلَ لما عاد أمراً حسناً.»

«ولكن لماذا قال موسى إذن: “إذا اتَّخَذَ رجل امرأة ولم تجد رضا في عينيه لأمر ما مُخجِل، فليكتُب لها كتاب طلاق ويسلّمها إيّاه في يدها، ويعيدها إلى بيتها”؟»

«مِن أجل قسوة قلوبكم كَتَبَ لكم هذه الوصية، مِن أجل تحاشي قلاقل جسيمة جدّاً. لذلك سَمَحَ لكم بطلاق نسائكم. إنّما في البدء لم يكن الأمر هكذا. ذلك أنّ المرأة ليست كما أنثى الحيوان، التي تخضع بحسب مشيئة صاحبها أو الظروف الطبيعيّة الحرّة لهذا أو ذاك مِن الذكور، إنّها ليست جسداً دون نَفْس تتزاوج مِن أجل الإنجاب. فلدى نسائكم نَفْس كالتي لديكم، وليس عدلاً أن تدوسوها دون شفقة. وإذا ما قيل لها في إدانتها: “تخضعين لسلطان بعلك (إلى بعلكِ تنقاد أشواقكِ) وهو يسود عليكِ”، فينبغي أن يحصل ذلك بموجب العدل والاستقامة، وليس بحسب الاستبداد الذي يهضم حقوق نَفْس حرّة وجديرة بالاحترام.

أنتم، بممارستكم الطلاق في الوقت الذي هو غير مسموح به، تُهينون نفس شريككم، تُهينون الجسد التوأم الذي اتّحد بجسدكم، أي تهينون المرأة بكلّيّتها، تلك المرأة التي تزوّجتم، وقد تشدّدتم في أمر عفّتها، بينما أنتم، أيا أيّها الكاذبين في عهودكم، تَمضون إليها وقد تسربلتم العار، وقد أصبحتم وضيعين وأحياناً فاسدين، وتستمرّون في ذلك، مستغلّين كلّ فرصة لتجرحوها، مطلقين العنان لشهواتكم التي لا تقف عند حدّ. تجعلون مِن نسائكم عاهرات! لا. لا يمكنكم الافتراق عن المرأة التي اتّحدتم بها بموجب الشريعة والبركة لأيّ سبب كان. ولا يكون ذلك إلاّ في حال لمستكم النعمة، أي عندما تُدرِكون أنّ المرأة ليست شيئاً نمتلكه، بل هي نَفْس، وبالتالي فحقوقها مساوية لحقوقكم، بالاعتراف بها كجزء مُكمِّل للرجل، وليست غرضاً للمتعة، وفقط في حال كون قلبكم بَلَغَ درجة مِن القسوة لا يعود معها قادراً على رفعها إلى مرتبة الزوجة بعد الاستمتاع بها وكأنّها عاهر، وفقط مِن أجل تحاشي عار مساكنة شخصين دون بركة الله لاتّحادهما، يمكنكم أن تصرفوا امرأة. لأنّ الأمر في تلك الحالة لا يعود يعني اتّحاداً، بل فسقاً، وهو في الغالب لا يتكلّل بالأطفال الذين يتمّ تفادي إنجابهم بأساليب مضادّة للطبيعة أو إجهاضهم (التخلّي عنهم) وكأنّهم مجلبة للعار.

ليس في أيّ حال آخر، ليس في أيّ آخر. ذلك أنّه لو كان لكم أولاد غير شرعيين مِن خليلة، فَمِن واجبكم وضع حدّ للفضيحة بالزواج منها إذا كنتم غير مرتبطين. لا أتوقّف عند الزنى المقترف على حساب امرأة جاهلة. فهذا يستوجب حجارة الرجم ونيران شيول (الهاوية). أمّا بالنسبة إلى الذي يصرف زوجته الشرعيّة لأنّه شَبع منها ويتزوّج بأخرى، فهذا ليس سوى فاسق زانٍ. وكذلك الذي يتزوّج مِن امرأة مطلَّقة، ذلك أنّ الرجل إذا ما ادّعى لنفسه حقّ تفريق ما جمعه الله، فالوحدة الزوجيّة تستمرّ في عيني الله، وملعون هو الذي يتّخذ أُخرى وهو لم يصبح بعد أرملاً. وملعون هو الذي، بعد أن يُطلّق زوجته، بعد أن يتركها لمخاطر الحياة التي تجعلها ترضى بزواج آخر لتأمين قوتها، يعود ليأخذها بعد أن تُصبح أرملة الزوج الآخر. ذلك أنّها، رغم كونها أرملة، فقد أصبحت زانية بسبب خطيئتكم، وأنتم تُضاعِفون زناها.

هل فهمتم، أيّها الفرّيسيّون الذين تجرّبونني؟»

«إنَّ الرجل صارم. لو كان في روما لرأى حمأة أكثر نتانة تتخمّر.» يقول أحد الرومان.

يُهمهِم بعض رجال جدرة كذلك: «إنّه لأمر صعب أن يكون المرء رجلاً إذا ما توجّب عليه أن يكون عفيفاً هكذا!…»

وآخرون يقولون بصوت أعلى: «إذا كان هذا هو وضع الرجل بالنسبة إلى المرأة، فالأفضل له ألاّ يتزوّج.»

وقد تبنّى الرُّسُل كذلك هذا الرأي بينما هُم يُعاودون السير صوب الريف، بعد مغادرتهم أهالي جدرة. يهوذا يتحدّث عن ذلك باحتقار. يعقوب يتحدّث باحترام ورويّة. ويسوع يُجيب هذا وذاك: «لا يُدرك الجميع ذلك، ولا الذين يفهمونه، يفهمونه كما يجب. بالفعل، البعض يفضّلون العزوبية ليكونوا أحراراً في إشباع رذائلهم. آخرون لتحاشي ارتكاب الخطيئة، بعدم كونهم أزواجاً صالحين. إنّما هناك البعض فقط مُنِحوا إدراك جمال الخلوّ مِن الشهوانيّة وحتّى مِن الرغبة النـزيهة بالمرأة. وهؤلاء هُم الأكثر قداسة، الأكثر حريّة، والأكثر ملائكيّة على الأرض. أتحدّث عن الذين يخصّون أنفسهم مِن أجل ملكوت الله. مِن الرجال مَن يُولدون كذلك؛ آخرون يُجعَلون كذلك. الأوّلون لديهم تشويه خلقيّ مثير للشفقة، بالنسبة إلى الآخرين هو تعسُّف مُدان. ولكن هناك الفئة الثالثة: فئة المخصيّين بإرادتهم الذين بغير عنف، وبالتالي بأجر مضاعف، يعرفون أن يتبنّوا طلب الله ويعيشون كالملائكة كيما يبقى في هيكل الأرض المهجور زهور وبخور للربّ. أولئك يرفضون إشباع الجزء الأدنى مِن كيانهم كي ينمو الجزء الأعلى، الذي به يُزهِرون في السماء، في الزهراء الأقرب مِن عرش الـمَلِك. الحقّ أقول لكم إنّهم ليسوا مشوّهين، ولكنّهم موهوبون بما يفتقده أغلب الرجال. ليست الأشياء المحتقرة ببلاهة، بل بالحريّ ذات الإجلال العظيم. فليفهم ذلك مَن عليه أن يفهمه ويحترمه، إذا ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.»

المتزوّجون مِن الرُّسُل يُهمهِمون فيما بينهم.

«ماذا بكم؟» يَسأل يسوع.

«ونحن؟» يَسأل برتلماوس باسم الجميع. «لم نكن نعرف ذلك واتّخذنا لنا نساء. إنّما يرضينا أن نكون كما تقول…»

«ليس محظوراً عليكم أن تكونوا كذلك الآن. عيشوا في العفاف وأنتم تَرَون في شريكتكم أختاً، وستنالون أجراً عظيماً في عيني الله. ولكن أَسرِعوا الخُطى لنصل إلى بيللا قبل المطر.»