نقرأ في إنجيل متى سردا لحادثة سير الرسول بطرس على الماء. يقول:
لَمَّا أَبْصَرَهُ التَّلاَمِيذُ مَاشِيًا عَلَى الْبَحْرِ اضْطَرَبُوا قَائِلِينَ: «إِنَّهُ خَيَالٌ». وَمِنَ الْخَوْفِ صَرَخُوا! فَلِلْوَقْتِ كَلَّمَهُمْ يَسُوعُ قِائِلاً: «تَشَجَّعُوا! أَنَا هُوَ. لاَ تَخَافُوا». فَأَجَابَهُ بُطْرُسُ وَقَالَ: «يَا سَيِّدُ، إِنْ كُنْتَ أَنْتَ هُوَ، فَمُرْني أَنْ آتِيَ إِلَيْكَ عَلَى الْمَاءِ». فَقَالَ: «تَعَالَ». فَنَزَلَ بُطْرُسُ مِنَ السَّفِينَةِ وَمَشَى عَلَى الْمَاءِ لِيَأْتِيَ إِلَى يَسُوعَ. وَلكِنْ لَمَّا رَأَى الرِّيحَ شَدِيدَةً خَافَ. وَإِذِ ابْتَدَأَ يَغْرَقُ، صَرَخَ قِائِلاً: «يَا رَبُّ، نَجِّنِي!». فَفِي الْحَالِ مَدَّ يَسُوعُ يَدَهُ وَأَمْسَكَ بِهِ وَقَالَ لَهُ: «يَا قَلِيلَ الإِيمَانِ، لِمَاذَا شَكَكْتَ؟».
هل يتّفق تصديق هذه الواقعة مع حكم العقل السليم؟
إنكارُها لا بدّ أن يستتبعَه إنكارٌ لكلّ المعجزات التي ورد سردٌ لها في الأناجيل الأربعة، لانّ بينها ما هو أكثر غرابة.
تقبّل الحادثة يأخذنا إلى التأمّلات التالية:
سير بطرس على المياه لم يكن بقوّة إلهيّة، ولكن بإذن إلهيّ. كان السير بقوّة ذاتيّة، مردّها إلى كمال الإيمان الإستثنائيّ، ولو لفترة وجيزة جدا.
آدم، ( وبصرف النظر عن كونه حقيقة أو رمزا ) في وقت الطهر والسلطان، ما كان ليحتاج الى تعلّم السباحة، أو إلى صناعة قارب، لو إنّه شاء اجتياز النهر الذي يخرج من عدن ليسقيَ الجنّة. تنكّره لمبدأ الطاعة، وتقديمه نفسه على الله، أفقداه سلطانه، وجعلاه محكوما بقوانين كان معتوقا منها.
بطرس، في لحظات سيره على المياه، كان روحيا في وضعيّة آدم قبل السقوط. إكتسب، ولو للحظات معدودة، سلطان آدم المفقود، بفضل تركيزه على يسوع، وثقته التامّة به، وعشقه الكامل لألوهيّته. بفضل إيمانه وتسليمه وطاعته ونسيانه لذاته تمكّن من استعادة النعمة المفقودة.
سقوط بطرس في المياه برهان على أنّ نجاحه، في الثواني الأولى من مشيته، كان أوّلا بفعل نقاوة داخليّة ومقدرة ذاتيّة، وليس بفعل عمل عجائبيّ وتدخّل إلهيّ.
سؤال يسوع له ” لماذا شككت ” برهان ثانٍ على كون سقوط بطرس مشابه لسقوط آدم. تفكيرُه بذاته ..!
تقديم آدم ذاتَه على ذات الله أفقده سلطانه. ألأنا.
تفكير بطرس بذاته حتّم الخوف عليها. الخوف لم يكن موجودا قبل السقوط. ألأنا.
خاف بطرس، عندما فكّر بنفسه، وليس بيسوع.
خاف آدم واختبأ، عندما نظر إلى نفسه، وليس إلى الله.
لو شئنا، أنت وأنا، السير على المياه، فهل نُعطاه ؟
حتما. نمشي على المياه.. بل أكثر من ذلك.. باجتهادنا..!
نمشي، لو بلغنا نشوة العشق الكامل، فما فكّرنا إلّا بالمعشوق…!