فاجأني صديقي الأستاذ يونان يونان يوما بسؤال تهرّبت من الإجابة الواضحة عليه. قال: من تعتقد أنّه يكون؟
جلتُ في أفكاري على كلّ ما تختزنه ذاكرتي من معلومات في هذا الشأن، فإذا القرآن يسخّف من يقولون إنّه ابن الله، ويسألهم عن بقيّة أفراد العائلة. وإذا بعض المسيحيّين يدّعون، في ما يعتقدون، أنّ له أخوة من أمّه مريم التي عاشت حياة زوجيّة طبيعيّة مع زوجها يوسف، بعد ولادة ابنها البكر، ببشرى سماوية معلومة. وإذا كلّ هذه العقائد تصطدم بالأفكار الوجوديّة الحديثة التي تسخّف هذا وذاك، وهي لا تقرّ أصلا بوجود خالق للكون، لتقرّ بتجسّده أو بإرساله ابنه لفداء البشر.
تراءت لي كلّ هذه الأفكار في برهة، فما لقيت حَرَجا في اعترافي بصعوبة الحسم في هذا الشأن، سائلا صديقي: وما قولك أنت؟
لم يتردّد الأستاذ يونان. قال: أعتقد أنّه الله .
لم أناقشْ. لم أعترضْ. إكتفيتُ بجواب مقتضب: قد يكون هذا صحيحا.
كان ذلك منذ ثلاثين عاما. كنت يومها معجبا بالثقافة الثوريّة الحديثة، شغوفا بالفوضويّة الفكريّة العصريّة. أعود اليوم الى ذلك الحدث، وقد دقّقت في كلّ ما تعلّق به من تساؤلات، وفي ما جاوره من معطيات، لأفصحَ عن قناعتي الراسخة بكون صديقي يونان محقّا في ما اعتقدَ… إنّه الله في الجسد، ويستحيل أن يكون غير ذلك.
سؤال أوّل، وددت أن أطرحَه على كلّ مَن يرفض تقبّل فكرة الله المتجسّد، إلى أيّة ديانة انتمى: إن كان المسيح رسولا كسواه من الأنبياء، فما الحاجة لأن يولد ولادة استثنائيّة من عذراء؟ ما حاجة الله إلى هذه الظاهرة التي لم تكن لها سابقة في تاريخ البشريّة، ولا هي تكرّرت أيضا، ما لم يكن في فكره أمر جلل يستحيل على كلّ عاقل تجاهله أو إنكاره ؟
سؤال متدرّج ثان، قد يسهّل على محبّي التحليل والاستنتاج المنطقيّ تقبّل فكرة كون المسيح ما قاله فعلا، وهو:
لو كان رسولا، فما الحاجة لأن يكون مولودا بلا خطيئة ؟ أليس أنّ كلّ الأنبياء ولدوا في الخطيئة ووقعوا فيها ؟ ألم يزنِ داود؟ ألم يقتل موسى؟ ألم يسكر نوح؟ ويعقوب ألم يكذب؟ ومحمّد أكان منزّها عنها؟ وسواهم ؟ وسواهم ؟
ونتدرّج إلى سؤال أيضا: إن كان المسيح رسولا جاء ليبلّغ رسالة، فما الرسالة التي بلّغها ؟
إن جرّدنا المسيحيّة من جوهر التجسّد والصلب فالعيسويّة التي ستكونها هي صدىً لصوت لن يجدَ له أذُنا يستقرّ فيها.