موت الكبار.. هلموت كول.

[arabic-font]مات هلموت كول. تحلق حول نعشه كبارٌ من كلّ مكان.
سمعت عن موت المستشار الكبير. عادت بي الذكرى الى كبار أمّتي الّذين ماتوا في الجحور.. ملك ملوك أفريقيا معمّر القذافي. صدّام. والّذين لا زالوا مشاريع موت قادم..
هلموت كول مستشار ألمانيا السابق جعل منه التزامه الإنسانيّ مستشارا أوروبيّا. وحّد ألألمانيّتين بالكلمة والنزاهة والعهد الخلقيّ. كان مستشارا وليس قائدا..
فكّرتُ بالألمانيّ البائس الذي قسّم ألمانيا. كان اسمه القائد . حفّظونا لقبه بالعربيّة ” الفوهرر هتلر ” . مَن علّمنا اللقب وأجبرنا في صِغَرنا على حفظه، كان يجهل معناه. عند تعلّمي اللغة الألمانيّة وامتلاكي لها فهمت أنّ الكلمة تعني القائد. وفهمت أنّ نقلها إلى العربيّة كان بقلم تعس، إذ وجبت ترجمتها وليس نسخها. لكي تسهل المقارنة بينه وبين قوّادنا.
عادت الى ذاكرتي فجأة آخر كلمة نطقها معمّر القذافي للّذين اعتقلوه. أو لنقل سطَوا عليه. قال: أنا القائد يا أولادي، أما عرفتموني؟
الكلمة هذه عاد فاستعارها بكل تعاستها قائد بائس آخر. قال: أنا الجنرال … هل نسيتموني؟
بين المستشار والقائد فوارقُ جمّة. هذا أدار الدولة. بالعقل والمشورة والشراكة. ذاك حكمها . بالنياشين والخطابات والأجهزة. رؤساؤنا كلّهم قادة.. من المحيط إلى الخليج… ترْكَتُهُم ثقيلة وضحاياهم بالملايين…
هلموت كول وحّد ألمانيا. ولكنّ فضله الأكبر في توحيد أوروبا. وكان إلغاء الحدود. مهمّة إقناع الألمان بفرض الإستقالة على جنرالهم الأخير –  المارك الألمانيّ –  وإرساله إلى التقاعد ما كانت سهلة.
وكانت ولادة اليورو…
من غرائب الصّدَف أنّ موت هلموت كول موحّد أوروبا ترافق مع أنباء عن موت موحِّد بلاد العرب والمسلمين أبو بكر البغدادي. هو أيضا كان صاحب أسلوب مميّز في التوحيد والمشورة والقيادة… ترك بصمة في جمجمة الأمّة وفتقا في صدرها.
لا أعرف شيئا عن ميتة هلموت كول وعن احتضاره. ما أعرفه أنّه نال في أيّامه الأخيرة نعمة الفهم، وهدأة الذهن الواعي.
هو نال حظوة دنيويّة على الأرض فكرّم البشر ذكراه. أميل إلى الإعتقاد – بل أكاد أجزم – أنّه نال مثيلتها في السماء، فكان له فيها تهليل وإكرام.
السيّد الّذي قال أنا هُوَ. ووعظ على الجبل. وأغرى بالسماء. ووعد بالملكوت. أما قال أيضاً: طوبى لصانعي السلام لأنّهم أبناءَ الله يُدعَون؟
هلموت كول كان ابناً لله.
وكبارُنا. الّذين ماتوا في الجحور. وفي السجون. والّذين هم مشاريع موت مماثل. أبناء مَن تُراهم يكونون؟

[/arabic-font]