مشهد لقاء يسوع الصبيّ مع علماء الهيكل.

يسأله هيليل: «علامَ تبني تأكيدكَ على ان المسيح بات هنا؟»

يسوع: «على النبوءة التي لا يمكن أن تخطئ بالزمن. وعلى الدلالات التي رافَقَتها عندما حان موعد تحقيقها. صحيح أنّ قيصر يسيطر علينا، ولكن العالم كان مستكيناً جدّاً وفلسطين هادئة جدّاً عندما انتهت الأسابيع السبعون، حتّى أمكن لقيصر أن يأمر بإجراء إحصاء في ممالكه. لم يكن ليستطيع ذلك لو أنّ حرباً كانت مشتعلة في إمبراطوريّته، أو أنّ ثورة كانت قائمة في فلسطين. وبما أنّ الزمن كان قد تمّ هكذا فستتمّ الفترة الأخرى، الأسابيع الإثنان والستون وزيادة واحد منذ إكمال بناء الهيكل، لكي يكرّس الماسيا وتتحقّق تتمّة النبوءة في الشعب الذي لم يقبله. هل يمكنكم الشكّ في ذلك؟ هل تذكرون النجم الذي رآه حكماء الشرق، والذي تَوَضَّع تماماً في سماء بيت لحم قضاء يهوذا، وأنّ النبوءات والرؤى منذ يعقوب وما تلاه تحدّد هذا المكان كمختار لاستقبال ولادة الماسيا ابن ابن ابن يعقوب عَبر داود الذي كان من بيت لحم؟ ألا تذكرون بلعام؟ “نجم يولد من يعقوب”. حكماء الشرق الذين فَتَحَت الطهارة والإيمان عيونهم وآذانهم قد رأوا النجم وعرفوا اسمه: “ماسيا”، وأتوا ليسجدوا للنور الذي أضاء العالم.»

ينظر إليه سياماي ممتقعاً: «أتقول إنّ ماسيا قد وُلِد في زمن النجم في بيت لحم إفراتا؟»

يسوع: «لقد قلتُ ذلك.»

سياماي: «إذاً فَلَم يعد له وجود. ألا تعلم أيّها الصبيّ أن هيرودس قد قَتَلَ الأطفال الذكور من ابن يوم حتّى سنتين في بيت لحم وما يحيط بها؟ أنتَ الذي تعرف الكتاب جيّداً ويجب أن تعرف هذا جيّداً: “صراخ يعلو… راحيل تبكي على بنيها”. وديان بيت لحم وتلالها تَقَبَّلَت عويل راحيل المائتة، وبقي هذا العويل يملؤها. وقد رَدَّدَته الأمّهات على أطفالهنّ المقتولين. وبينهنّ بكلّ تأكيد كانت أمّ ماسيا.»

يسوع: «أنتَ تخطئ أيّها العجوز. فبكاء راحيل قد تبدَّل بـــ “أوشعنا”. لأنّ راحيل الجديدة التي وَلَدَت “ابن الآلام” مَنَحَت للعالم الابن المفضّل للآب السماوي، ابن يمينه، الذي اختير ليجمع الشعوب تحت سيادته ويحرّرها من العبوديّة الرهيبة.»

سياماي: «وكيف ذلك إذا كان قد قُتِل؟»

يسوع: «ألم تقرأ ما كُتِبَ عن إيليا؟ لقد رُفِع في عربة من نار. والربّ الإله، ألا يستطيع إنقاذ عمانوئيل ليكون ماسيا شعبه؟ وهو الذي شقّ البحر أمام موسى ليصل إلى إسرائيل أرضه بقدمين جافّتين؟ ألم يكن باستطاعته أن يأمر الملائكة فتنقذ ابنه، مسيحه من وحشيةّ الإنسان؟ الحقّ أقول لكَ: المسيح حيّ بينكم وعندما تأتي ساعته سوف يَظهَر بقدرته.» وعندما قال يسوع تلك الكلمات التي أَشَرتُ إليها، كان صوته يُجَلجِل ويملأ المكان، عيناه تلمعان أكثر من المعتاد، وبما أنّه كان متأثّراً بالقدرة والوعد فقد مَدّ ذراعه ويده اليمنى كما للقسم. إنّه طفل ولكنّه وقور وقار رجل كهل.

هيليل: «من لَقَّنَكَ هذا الكلام أيّها الصبيّ؟»

يسوع: «روح الله. ليس لي معلّم بشريّ. وما تسمعونه من شفتيّ ما هو إلا كلام الله.»

هيليل: «تعال بيننا لأراكَ عن قرب أيّها الصبيّ! لقد أُنعِش رجائي باحتكاكه بإيمانكَ، ونفسي تستضيء بشمس نفسكَ.»

وأُجلِسَ يسوع على كرسي مرتفع بين جملائيل وهيليل، وأتوا إليه بلفافات ليقرأها ويشرحها. إنّه امتحان في القانون والشريعة. فتدافَعَت الجموع لتستمع.

ويقرأ يسوع بصوته الطفوليّ: «”تَعزَّ يا شعبي. تحدّثوا إلى قلب أورشليم، واسوها فإنّ عبوديتها قد انتهت… صوت صارخ في البرية: أعِدّوا طريق الربّ… حينئذ يَظهَر مجد الربّ…”»

سياماي: «انظر أيّها الناصريّ! هنا يجري الكلام عن العبوديّة التي انتهت. ولم نكن في يوم عبيداً كما نحن الآن. وكذلك الكلام عن سابق. أين هو؟ إنّكَ تهذي!»

يسوع: «أقول لكَ إنَّ السابق يدعوكَ أنتَ أكثر من الآخرين، أنتَ وأمثالكَ. وإلّا فلن ترى مجد الربّ ولن تفهم كلام الله، لأنّ الدناءة والكبرياء والنفاق يحجبون عنكَ الرؤية والإنصات.»

سياماي: «أهكذا تتكلّم مع معلّم؟»

يسوع: «هكذا أتكلّم وهكذا سوف أتكلّم حتّى الممات. ذلك أن فوق مصلحتي هي مصلحة الربّ وحبّ الحقّ الذي أنا ابنه. وأُضيف لكَ أيّها الحاخام إنّ العبوديّة التي يتكلّم عنها النبيّ والتي أتكلّم عنها أنا أيضاً ليست تلك التي تظنّها أنتَ، والملك كذلك ليس الذي تفكر فيه أنتَ. إنّما على العكس، فباستحقاقات ماسيا يتحرّر الإنسان من عبوديّة الشرّ الذي يفصله عن الله، وشخصيّة المسيح تنطَبِع على النفوس الـمُحَرَّرة من كلّ نير والخاضعة لملكه الأزليّ. كلّ الأمم تنحني، يا ذريّة داود، أمام البذرة المولودة منكَ والصائرة شجرة تغطّي الأرض كلّها وترتفع إلى السماء. كلّ فم في السماء وعلى الأرض يمجِّد اسمه، وكلّ ركبة تجثو أمام المقدَّس من الله، أمير السلام، ذلك الذي تنتشي منه كلّ نفس تَعِبة وتشبع به كلّ نفس جائعة، القائد القدّوس الذي يقيم رابطة بين السماء والأرض، ليست كتلك التي أُنجِزَت مع آباء إسرائيل عندما أخرجهم الله من مصر، بمعاملتهم كعبيد، إنّما بطبع فكرة الأبوّة السماويّة، في نفوس البشر مع النعمة المتدفّقة حديثاً فيهم باستحقاقات الفادي الذي به يَعرف الربّ الأخيار، وهيكل الله لن يُهدَم ولن يُدَمَّر.»

سياماي: «ولكن لا تجدّف أيّها الصبيّ! تذكّر دانيال. إنّه يقول إنّ بعد موت المسيح سيدمّر على يد شعب وقائد يأتي لهذا الغرض، وأنتَ تجزم أنّ هيكل الله لن يُهدَم! احترم الأنبياء!»

يسوع: «الحقّ أقول لكَ إنّه يوجد مَن هو أعظم من الأنبياء وأنتَ لم تعرفه ولن تعرفه لأنّ الرغبة في معرفته تنقصكَ. وأؤكّد لكَ أنّ كلّ ما قُلتُه حقّ. لن يعرف الهيكل الحقيقيّ الموت. ولكنّه مثل الذي يقدّسه يقوم من الموت إلى الحياة الأبديّة، وفي نهاية العالم يَحيَى في السماء.»

هيليل: «اسمع أيّها الصبيّ. يقول حجاي: “… ويأتي الذي تتمنّاه الأمم جميعاً. وسيكون مجد ذاك البيت الأخير أعظم من الأوّل”. هل يُحتَمَل أن يكون الهيكل الذي أراد الحديث عنه هو نفسه الذي تتكلّم عنه أنتَ؟»

يسوع: «نعم، يا معلّم، هو هذا ما كان يريد قوله. إنّ استقامتكَ تُسَيِّركَ في طريق النور، وأنا أقول لكَ: عندما تتمّ تضحية المسيح يأتيكَ السلام لأنّكَ إسرائيليّ لا غشّ فيكَ.»

جملائيل: «قل لي يا يسوع. السلام الذي يتكلّم عنه الأنبياء، كيف يمكن الرجاء به إذا كانت الحرب ستقوم لتُدَمِّر هذا الشعب؟ تكلّم وأَنِرني أيضاً.»

يسوع: «ألا تذكر أيّها المعلّم ما قاله أولئك الذين حَضَروا ليلة ولادة المسيح؟ ما رَتَّلَته جموع الملائكة: “السلام للناس ذوي الإرادة الحسنة”. ولكنّ إرادة هذا الشعب ليست حسنة ولن يكون لـه سلام. سوف يتنكّر لملكه العادل المخلّص، لأنّه ينتظر ملكاً يرتدي القدرة البشريّة بينما هو ملك الروح. هذا الشعب لن يحبّه لأنّ المسيح سيكرز بما لا يروق لـه. لن يحارب المسيح أعداء مجهّزين بعربات وخيل، إنّما أعداء النفس الذين ينحدرون بقلب الإنسان المخلوق للربّ، إلى المتعة الدنيا. وليس هذا هو النصر الذي ينتظره منه شعب إسرائيل. سيأتي ملكك، يا أورشليم، راكباً “أتاناً وجحشاً”، يعني أبرار إسرائيل والوثنيّين. ولكنّ الجحش، أقول لكم، يكون أكثر وفاء له ويتبعه سابقاً الأتان، وينمو على طريق الحقّ والحياة. سوف تفقد إسرائيل السلام بسبب سوء إرادتها وتتألّم في ذاتها على مدى قرون بالذي جَعَل ملكها يتألّم جاعلاً إيّاه بسببهم رجل الآلام الذي يتكلّم عنه اشعيا.»

سياماي: «فمكَ أيّها الناصريّ يتفوّه بأقوال صبيانيّة وتجديفات، أجبني: أين هو السابق؟ متى حصلنا عليه؟»

يسوع: «إنه موجود. ألم يقل ملاخي: “ها أنا ذا مُرسِل ملاكي، فيهيّئ الطريق أمامي، وفي الحال يأتي إلى هيكله السيد الذي تلتمسونه وملاك العهد الذي ترغبون به بحرارة”؟ إذاً فالسابق يأتي مباشرة قبل المسيح. ولقد أصبَحَ هنا كالمسيح. فلو كان الفارق سنوات بين الذي يهيّئ الطريق للربّ والمسيح لتعرقَلَت كلّ الطرق وانحَرَفَت. الله يعرف ذلك وقد قرّر أن يسبق السابق المعلّم بساعة واحدة فقط. عندما ترون هذا السابق ستستطيعون القول: “إنّ رسالة المسيح قد ابتدأت”. ولكَ أقول: سيفتَح المسيح أعيناً كثيرة وآذاناً كثيرة عندما يأتي في طرقه. ولكنّها لن تكون تلك التي لكَ ولأمثالكَ. ذلك أنّكم ستَهِبونه الموت مقابل الحياة التي يحملها إليكم ولكن، حينئذ، سيكون الفادي على عرشه وعلى هيكله أعظم من هذا الهيكل وأسمى من تابوت العهد المحتَجَز في قدس الأقداس، وأرفع من المجد الذي يحميه الشيروبيم. واللعنة لقَتَلة الله، والحياة سوف تتدفّق للأمم من جراحاته الألف والألف. ذلك أنّه، يا أيّها المعلّم الذي يجهله، أكرّر ذلك، ليس ملك مملكة بشريّة، بل إنّما هو ملك روحيّ، وأتباعه سيكونون فقط الذين يعرفون بحبّهم أن يولَدوا من جديد بالروح، ومثل يونان، بعد الولادة الأولى، يولدون من جديد على شواطئ أخرى، أتباع الله عبر الولادة الجديدة بالروح التي ستأتي بواسطة المسيح الذي يهب الحياة الحقيقيّة للبشريّة.»

سياماي ومن حوله: «هذا الناصريّ شيطان!»

هيليل وأتباعه: «لا. بل إنّ هذا الصبيّ هو نبيّ الله. ابق معنا أيّها الصغير. ستنقل شيخوختي كلّ معارفها إلى علمكَ وستكون معلّم شعب الله.»

يسوع: «الحقّ أقول لكَ: لو كان أمثالك كُثُر لأتى المجد لإسرائيل. ولكنّ ساعتي لم تأتِ. وأصوات السماء تكلّمني، ويجب أن أتلقّاها في الوحدة والعزلة حتّى تأتي ساعتي. حينئذ سوف أتوجّه إلى أورشليم بشفتيّ ودمي، وسيكون مصيري مصير الأنبياء الذين رَجَمَتهم وقَتَلَتهم. ولكن أعلى مني يوجد الربّ الإله الذي أخضع له أنا ليجعل منّي مرقاة مجده بانتظار أن يجعل هو من العالم مرقاة لقدم المسيح. انتظروني في ساعتي. سوف تَسمَع هذه الحجارة صوتي من جديد وترتعد عند كلمتي الأخيرة. طوبى للذين يسمعون الله من خلال هذا الصوت وبواسطته يؤمنون به. لهؤلاء يَمنَح المسيح مُلكه الذي تحلم به أنانيّتكم بشريّاً بكلّيته، بينما هو سماويّ. بخصوص قدوم هذا الملك، أنا أقول: “ها هو خادمكَ يا ربّ الآتي ليتمّم مشيئتكَ. حَقِّقها كاملة، فأنا أتحرّق لإتمامها.»