[arabic-font]
مريم تتحدث عن شحوبها في الفترة الممتدة من ملاحظة يوسف حملها الذي بات باديا عليها والى تكلّم الملاك معه وشرحه الأمر له. تقول:
«لا يؤوّلنّ أحد شحوبي بطريقة خاطئة. لم يكن نتيجة خوف بشريّ، فبشريّاً كنتُ سأنتظر الرَّجم. وهذا لم يكن في يوم مَبعَث خوفي. بل كنتُ أعاني من ألم يوسف. حتّى فكرة إدانته لي لم تجعلني بحدّ ذاتها أضطَرِب. إنّما ما لم يكن يروق لي، فقط، هو أنّه بوقوفه عند فكرة إدانتي كان قد أَخَلَّ بالمحبّة. لذلك، عندما شاهدتُه وقد طرق بابي في ساعة لم يعتد المجيء اليّ فيها قفز دمي. لقد كانت لحظة يخطئ بارّ فيها بحقّ العدل، وذلك بالإخلال بالمحبّة. وأن يخلّ بارّ بالمحبّة وهو الذي لم يخلّ أبداً في السابق، هو ما سبّب لي أشدّ العذاب.
لو لم أكن أتحلّى بالتواضع إلى أبعد حدوده، كما قلتُ ليوسف، لما كنتُ أستحقّ أن أحمل في أحشائي الذي تنازَلَ، وهو الإله، ليصبح إنساناً ليزيل الكبرياء من الجنس البشريّ.
وتضيف مريم مفسّرة لماريا فالتورتا:
لقد جعلتكِ تَرَين هذا المشهد ( مشهد ألمها لعذاب يوسف وشكوكه وثم عودته وقد صدّق الملاك ) الذي لم يورده أيّ إنجيل، لأنّني أردتُ لفت انتباه العالم البعيد جدّاً، الى الشروط الأساسيّة لإرضاء الله، وتقبّل حضوره المتواصل في قلبه.
الإيمان.
لقد آمَن يوسف إيماناً أعمى بكلمة رسول السماء. لم يكن يطلب سوى الإيمان لأنّه كان مُقتنعاً بشكل جادّ أنّ الله صالح، وأنّه، وهو الذي رجا الربّ، فلا يمكن أن يبتليه الربّ بألم أن يخونه قريبه ويخدعه ويهزأ به. لم يكن يطلب سوى الإيمان بي، لأنّه، كرجل شريف، لم يكن يستطيع مجرّد التفكير بدون ألم أن لا يفعل الآخرون ذلك. كان يعيش بموجب الشريعة، والشريعة تقول: “أحبِب قريبكَ كنفسكَ”. فنحن نحبّ أنفسنا لدرجة الاعتقاد بأنّنا كاملون حتّى حينما لا نكون كذلك. لماذا نتوقّف إذن عن محبّة القريب لمجرّد فكرة أنّه غير كامل؟
المحبّة المطلقة.
المحبّة التي تعرف أن تَصفَح، والتي تريد أن تَصفَح. تَصفَح مسبقاً بأن تبرّر في قلبها أخطاء القريب. تَصفَح مباشرة بإيجاد كلّ الظروف المخفِّفة للمخطئ.
التواضع الـمُطلَق مثل المحبّة.
معرفة أنّنا مقصّرون، حتّى بمجرد فكرة بسيطة، وعدم الاتّصاف بالكبرياء الأكثر ضرراً من الخطيئة السابقة بأن نرفض القول: “أنا أخطأتُ”. فكلّ العالم، ما عدا الله، يخطئ. من الذي أو من التي تستطيع القول: “أنا لا أخطئ أبداً؟”
والتواضع أكثر صعوبة كذلك. فهو الذي يعرف أن يكتم روائع الله فينا، عندما يكون من غير المفيد أن نعلنها لتمجيده بها. لكي لا نقلّل من قيمة القريب الذي لم يتلقّ هذه المواهب الخاصّة من الله. لو أراد ذلك، آه لو أراد ذلك فالله يَظهَر بنفسه في خادمه! فإنّ أليصابات قد رأتني كما أنا، ويوسف عرفني والغاية التي وُجِدتُ من أجلها، وذلك عندما حان الوقت ليعرف.
دعوا لله مهمّة الإعلان لكم عن خدّامه. إنّه بحاجة لأن يكون ذلك بحبّ. إذ إنّه يهيّئ كلّ خليقة لرسالة خاصّة، هي مجد جديد يضاف إلى مجده اللامتناهي، لأنّها الشهادة عن طبيعة الإنسان كما أراده الله: كمال ثانوي يعكس الأصل. ابقُوا في الظلّ وفي الصمت، يا من حظيتم بالنعمة، لتستطيعوا سماع الكلمات الوحيدة التي هي “الحياة”، لتستطيعوا استحقاق أن تسطع الشمس بشكل أزليّ فوقكم وفيكم.
آه! أيّها النور الأكثر من مغبوط، الذي تُدعى الله، يا مَن أنتَ فرح خدامكَ، اسطَع على هؤلاء الخدّام الذين ينتمون إليكَ، الذين يبتَهِجون فيكَ بتواضعهم وهم يسبّحونكَ، أنتَ وحدكَ الذي إذ تُشتِّت المتكبّرين إنّما تَرفَع المتواضعين الذين يحبّونكَ إلى بهاء ملككَ.»
[/arabic-font]