في هذا الفصل يشرح يسوع بتفصيل ودقة أهميّة اختيار الله البسطاء لنقل رسالته، ويوسّع ما سبق لمريم ان شرحته عن معصية حواء ونقلها الخطيئة للجنس البشري.. كلام يُنصَح بقراءته بتمعّن ودقة… وليكن النور نعمة تحلّ على كل باحث عن الحق…
[arabic-font]
رؤيا 08 / 03 / 1944
يقول يسوع:
«يوجد الكثيرون من الناس المتشبثين بالشكليّات. يريدون أن يمنطقوا الأمور الإلهيّة بما هو مادّيّ، بمقاييسهم البشريّة، ويزعمون أنّه من المفروض أن يمنطقها الله كذلك. إنّما على العكس، إنّه جميل جدّاً التفكير بأنّ الله يفكّر بطريقة فائقة البشر لدرجة عظيمة ولا نهائيّة. كذلك هو رائع ومناسب التفكير، ليس حسب الرؤية البشريّة ولكن حسب الروح، واتّباع الله.
بخصوص الكمال، ليس هناك سوى الفكر الإلهيّ، يستطيع لو أراد وارتأى أنّه من المفيد أن يفعل، أن ينزل ويصبح كلمة في فكر وعلى شفاه إحدى مخلوقاته المنبوذة من العالم، لأنّها في نظر العالم جاهلة وبلا قيمة ومحدودة وصبيانيّة وسخيفة.
تحب الحكمة أن تفقد كبرياء الروح اتّجاهها، وأن تنتَشِر على المنبوذين من العالم الذين لا أفكار شخصيّة لهم، ولا مذاهب مكتسَبة بالثقافة، ولكنّهم يفيضون حبّاً وطهارة، وهم عظماء برغبتهم في خدمة الله بعد العمل على معرفته وحبّه، وبعد استحقاقهم معرفته بحبّهم إيّاه بكلّ قوّتهم.
لاحظوا أيّها الناس في فاتيما Fatima في لورد Lourde في غوادي لوبي Guadeloupe في كارافاجيو Caravagio في ساليتي Salette، ففي كلّ مكان حدثَت ظهورات حقيقيّة ومقدّسة.
الذين رأوا، الذين كانوا مدعوّين للرؤية، هم مخلوقات مسكينة، وهم من ناحية السنّ والثقافة والشروط بين أكثر الناس تواضعاً. ولهؤلاء المغمورين، لهؤلاء اللاشيء تظهر النعمة لتجعل منهم رُسُلها.
- ماذا ينبغي للبشر إذن أن يفعلوا؟
ينبغي أن ينحنوا مثل العشّار ويقولوا: “ربّي، لقد كنتُ خاطئاً جدّاً وغير أهل لأستحقّ أن أعرفكَ. مبارك أنتَ لصلاحكَ الذي يعزّيني بواسطة هذه المخلوقات، ويمنحني سنداً سماويّاً ودليلاً وعبرة وأملاً بالسلام”.
وألّا يقولوا: “ولكن لا! إنّهم محكوم عليهم، هراطقة! غير ممكن!”
كيف يكون هذا؟ غير ممكن. كائن موهوب قليلاً يصبح عالماً في علوم الله؟
– لماذا لا يمكن؟
ألم أُقِم الموتى وأشف المجانين وأعالج الصرعى؟
ألم أُنطِق الخرس وأفتح أعين العميان وأجعل الصمّ يسمعون وأمنح الذكاء للمعوقين؟
ألم أطرد الشياطين كذلك وآمر الأسماك بأن تقفز إلى الشباك والخبز أن يكثر والماء أن يصبح خمراً والعاصفة أن تهدأ والماء أن يتصلّب ويصبح كسطح مرصوف؟
فما هو غير الممكن لدى الله؟ - حتّى قبل أن يصبح الله – المسيح ابن الله – فيما بينكم، ألم يجتَرِح الله المعجزات بواسطة خُدّامه الذين يتصرّفون باسمه؟
ألم تخصب أحشاء ساراي العاقر التي لإبراهيم لتصبح سارة وتلد في شيخوختها اسحق الذي أُعِدّ ليكون الذي أُبرِم الميثاق معه؟
ألم تتحوّل مياه النيل إلى دماء وتمتلئ بالحيوانات النجسة بأمر موسى؟
وبكلمته كذلك، ألم تنفق الحيوانات بالطاعون، أما تقرّحت أجساد الرجال وحُصِدَت السنابل وتكسرت ببَرَد مكتسح، وجُرِّدت الأشجار بالجراد وأُطفِئَت الأنوار فأظلمت ثلاثة أيّام وطاح الموت بالمواليد الجدد في مصر، وشُقّ البحر ليمرّ إسرائيل، وتحلّت المياه الـمُرّة في البريّة؟
ألم ينَزَل المنّ والسلوى بغزارة؟
ألم تتدفّق كذلك المياه بغزارة من الصخرة الصمّاء؟
وكذلك يشوع، ألم يوقِف الشمس في كبد السماء؟
وداود الفتيّ ألم يجندل العملاق؟
وإيليا ألم يكثر الطحين والزيت ويُقِم ابن أرملة صرفة Sorepta؟ ألم ينزل المطر بناء على طلبه على الأرض القاحلة؟ ألم تنزل نار السماء على المحرقة بطلبه أيضا؟
والعهد الجديد أليس غابة صغيرة مزهرة، حيث كلّ زهرة فيه معجزة؟
فمن لديه القدرة إذن على اجتراح المعجزات؟
ثمّ ما هو غير الممكن لدى الله؟ مَن مثل الله؟
احنُوا رؤوسكم واعبُدوا. زمن الحصاد الكبير قد اقترب، وكلّ شيء يجب أن يكون مكشوفاً قبل أن ينقضي وجود البشر. كلّ شيء: النبوءات اللاحقة للمسيح وتلك التي قبله، والرمزيّة منها والتوراتيّة التي ابتدأت منذ الكلمات الأولى لسفر التكوين.
وإذا كنتُ أنا أُعلِمكم بنقطة ما تزال غير مشروحة حتّى الآن، فتقبّلوا هذه الموهبة واقطفوا ثمّارها وليس الإدانة لمن استخدمها لنقل التعليم.
لا تفعلوا مثل يهود زمن حياتي يوم كنت على الارض في الجسد، وهم الذين أرادوا إغلاق قلوبهم في وجه تعاليمي، ولعدم قدرتهم على مساواتي في فهم الأسرار والحقائق فائقة الطبيعة، اعتبَروني مدّعياً وكافراً.
الآن سأتحدث عن شجرة حواء وسأقول: “شجرة رمزيّة”. قد تدركون أفضل.
الرمز فيها واضح: بحسب الطريقة التي تعامَل فيها ابنا الله (آدم وحواء) معها يمكن إدراك ميولهم إذا ما كانت صوب الخير أم صوب الشرّ. مثل الماء الملكيّ في اختبار الذهب، وميزان الصائغ الذي يعطي الزنة بالقيراط، كذلك هذه الشجرة، كونه أصبح “رسالة” لأمر الله بالنسبة لهما، فقد أعطى مقدار طهارة آدم وحواء.
— أسمع الآن اعتراضاتكم: ألم تكن الإدانة متطرفة؟ والسبيل المتّبع لحصولها سخيفاً؟
أجيبكم: لا. فإذا اقترفتم هذه المعصية في الوقت الراهن، أنتم يا من أخذتم عنهما هذا الإرث، فسيكون ذلك أخفّ وطأة مما كان بالنسبة لهما.
أنتم افتُديتم بي، إلّا أنّ سمّ الشيطان يبقى دائماً متأهّباً للتدفّق من جديد. إنّه مثل أمراض كثيرة لم يزل مفعولها تماماً من الدم.
هما، أي الأبوان الأوّلان، كانا تحت ملكة النعمة قبل أن يفقدا نضارتهما بفقدان الحظوة. كانا إذن أقوى، كانا مدعومين أكثر بالنعمة، وفي داخلهما نبع براءة وحبّ.
كانت مواهب الله التي وهبهما إيّاها لا نهائيّة، فكان سقوطهما بالتالي أعظم على الرغم من هذه المواهب.
والثمّرة المقدّمة والمأكولة هي أيضاً رمزيّة. كانت ثمّرة تجربة أرادا خوضها بتحريض شيطانيّ ضدّ أمر الله.
لم أكن قد مَنَعتُ الناس عن الحبّ، بل أردته فقط أن يكون دون مكر. وكما كنتُ أحبّهما حبّاً مقدّساً من حيث الجوهر، فقد كان من الواجب عليهما أن يحبّا بعضهما بمودّة مقدّسة بحيث لا تدع مجالاً للشهوة تدنّسها.
يجب ألّا ننسى أنّ النعمة نور، ومن يمتلكها يعرف أن يميّز ما هو مفيد وجيّد للمعرفة. ولقد عَرفَت الممتلئة نعمة ( مريم ) كلّ شيء لأنّها نَمَت بالحكمة، الحكمة التي هي نعمة، وعَرفَت أن تسلك بقداسة. حوّاء إذن كانت تعرف ما هو جيّد لها أن تعرفه، لا أكثر، لأنّه عبث أن تعرف ما هو غير جيّد. لم تؤمن بكلام الله ولم تكن وفيّة لوعدها له بالطاعة. آمَنَت بالشيطان، أخلَفَت بوعدها، ورَغِبَت في معرفة ما هو غير جيّد، وأحبّته دون تبكيت ضمير؛ الحبّ الذي منحتُها إيّاه على درجة من القداسة، وهي جَعَلَته أمراً فاسداً، أمراً منحطّاً، إنّها ملاك ساقط، تمرَّغَت في الوحل، بينما كان باستطاعتها أن تجري سعيدة بين أزهار الفردوس الأرضيّ، وأن ترى سلالتها تزهر حولها كنبات مكسوّ بالأزهار دون جرّ أوراقها في الحمأة.
— تقبّلوا، تقبّلوا النور دون خبث وبإذعان دون تهكّم ولا تشكيك.
تكلّمتُ كثيراً في هذا الموضوع، لِأُفهِمكم إلى أيّة درجة يجب أن تكونوا عارفي الجميل للذي مات ليوصلكم إلى السماء، وللتغلب على الشهوة الشيطانيّة، أردتُ الكلام في هذا الموضوع لأنّه في الوقت الحاضر تسعون في المائة منكم يشبهون حوّاء متسممين بنفحة وكلمة الشيطان.
إنّكم لا تعيشون لتحبّوا بعضكم بعضاً ولكن لتشبعوا. لا تحيون للسماء بل للوحل.
لم تعودوا مخلوقات تتميّزون بنفس وحسّ فكريّ، ولكنّكم كالكلاب دون نفس ودون فكر. لقد قتلتم النفس وأفسدتم الفكر. أؤكد لكم بحقّ أنّ الوحوش يفوقونكم شرفاً وحبّاً.»
[/arabic-font]