يقول يسوع:
عن يوحنا الحبيب ولقائه الاول به: «الجَّمع الذي التقى بي كان غفيراً، إنّما واحد فقط عَرِفَني. وهو الذي كانت لـه نَفْس وفِكر وجسد طاهِرِين مِن كلّ فجور.”
“إنّي أُصِرُّ على قيمة الطهارة. فالعفّة هي دائماً منبع صفاء للذهن. البتوليّة تُرهِف ثمّ تصون حساسيّة الذكاء والعواطف إلى درجة من الكمال لا يختبرها إلّا مَن ظلّ بَتولاً.”
الاستمرار في البتولية يمكن أن يحصل بأساليب مختلفة:
1 – البتولية القسرية: وهذه تكون بشكل خاص لدى النساء، عندما لا يختارهن أحد للزواج. كما يمكن لهذا النوع من البتولية أن ينطَبِق على الرجال كذلك، لكنه أمر خطير، إذ لا يمكن أن يتأتى من شباب مكبوت الفكر والجسد سوى رجولة ناقصة ومُعَقَّدَة.
2 – البتوليّة المبنيّة على رغبة شخصيّة. بتوليّة النفوس المكرَّسة للربّ وفق اندفاع للوفاء. بتوليّة جميلة! تضحية مَرضيّة لدى الله! ولكنّهم جميعاً لا يعرفون المحافظة على بياض الزنبقة التي تبقى مستقيمة على ساقها المنتصبة صوب السماء، جاهلة وحل الأرض ومُنفَتِحَة فقط على قُبلات سماء الله ونَدَاها. هنالك الكثيرون ممّن لا يحفظون سوى وفاء مادّيّ، إلّا أنّهم كَفَرَة بأفكارهم النادمة والراغبة فيما ضَحَّت به. هؤلاء ليسوا سوى أنصاف بتوليّين. فإذا كان الجسد سليماً فالقلب ليس كذلك. إنّه يجيش، يغلي، يَبعَث أبخرة حسّية أكثر رهافة وإدانة من بنات الأفكار التي تُداعِب وتَرعَى وتُدَغدِغ تصوّرات الإشباع غير المشروعة بالنسبة للأحرار، وأكثر من غير مشروعة بالنسبة لمن نَذَرَ نَذراً. حينئذ يكون رياء النَّذر. فهناك المظهر ولكنّه يفتقد للواقع.
3 – الحقّ أقول لكم إنّه إذا ما أتى أحد إليّ مع زنبقة أُتلِفَت بإرادة شَرِس، وأتى آخر مع زنبقة سليمة ماديّاً إنّما مُلَطَّخة بإرادتها بطفح شهوة جسديّة مُدَغدِغَة يتمّ تعاطيها لإملاء ساعات العزلة. فالأوّلى أسمّيها “بتولاً” وأُنكِر هذه الصفة على الثانية. وأَمنَح الأولى الإكليل المضاعَف، إكليل البتوليّة والشهادة، وذلك بسبب جسدها الـمَكلوم وقلبها المليء بالجراح بسبب تشويه لم ترضَ به.
إنّ قَدْر الطهارة هو ما جَعَلَ الشيطان يهتمّ أوّلاً بأن يجرّني إلى الفساد Impureté يوم جاء ليجربني ابان صومي الاربعيني، وهو يَعلَم جيّداً أن خطيئة الإحساس تُقَوِّض النفس وتجعل منها فريسة سهلة للأخطاء الأخرى. ولقد تَرَكَّزَ وسواس الشيطان على المطلب الرئيسيّ للتغلّب عليّ. إنّها الطريقة نفسها التي استخدَمَها لِجَرح آدم.
يهزَأ العالم مِن الطَّاهِرِين، ويهاجمهم الملوّثون المدنّسون. ويوحنّا المعمدان كان ضحيّة فجور كائنين فاسدي الأخلاق. ولكن إذا كان العالم ينعم بقليل من النور، فالفضل في ذلك يعود إلى هؤلاء الذين حافَظوا على طهارتهم وسط العالم. فهم خدّام الله ويعرفون إدراك الله وترديد كلماته. لقد قلتُ: “طوبى لأنقياء القلوب لأنّهم يعاينون الله”. حتّى على الأرض. والذين لا تجعلهم أبخرة الحسّ مضطربي الفكر، “يعاينون” الله، ويسمعونه، ويتبعونه، ويُظهِرونه للآخرين.
يوحنّا بن زبدى كائن نقيّ. إنّه “الطاهر” وسط تلاميذي. ونفسه زهرة في جسد ملائكيّ. هو يناديني بعبارات معلّمه الأوّل، ويطلب منّي أن أمنحه السلام. ولكنّه يمتلك السلام في ذاته بنقاء حياته، ولقد أحببتُه بسبب الطهارة المتألّقة فيه. وهذا المخلوق الأحبّ إليّ قد ائتمنتُه على تعاليمي وأسراري.
انشودة الانسان الاله / فالتورتا / 2 / 8.