يسوع يتحدث عن هذه العبر كفضائل وامثولة يجب حفظها.
لم يكن لدى حكماء الشرق هؤلاء ما يؤكّد لهم الحقيقة. لا شيء فائق الطبيعة، لم يكن لهم سوى حساباتهم الفلكيّة وعملهم الفكريّ التأمّليّ.
ومع ذلك فقد كان لديهم الإيمان. الإيمان بكلّ شيء. الإيمان بالعلم، الإيمان بضمائرهم والإيمان بالجود الإلهيّ. بالعلم اعتَقَدوا بدلالة النجم الجديد الذي لم يكن ممكناً أن يكون إلّا “ذاك” الذي تنتظره البشريّة منذ قرون: الماسيا. بالضمير حصلوا على الإيمان بالصوت ذاته الذي بتلقّيه “الأصوات” السماويّة قال لهم: “إنّها هي النجمة التي تحدّد مجيء الماسيا”. وبصلاحهم كان لهم الإيمان بأنّ الله لم يخدعهم، وبما أنّ نواياهم كانت سليمة، فقد ساعَدَهم الله بكلّ الوسائل لبلوغ هدفهم.
ولقد نجحوا، هُم وحدهم من بين عدد كبير من الناس الذين يدرسون الدلالات، لقد فَهِموا هذه الإشارة، لأنّهم وحدهم الذين كانت في نفوسهم الرغبة المتلهّفة لمعرفة كلمات الله بِنِيَّة مستقيمة، حيث كانوا يفكّرون في أعماقهم أن يُقَدِّموا لله دون تأخير كلّ تسبيح وتمجيد وإكرام.
لم يكونوا يفتّشون عن منفعة شخصيّة. حين قرّروا السفر لم يكن لديهم أيّة اهتمامات بشريّة.
قادهم النجم من الشمال، من الشرق ومن الجنوب، وبمعجزة إلهيّة تقدّم أمام الثلاثة ليصل بهم إلى النقطة ذاتها. وكذلك بمعجزة أخرى يجمعهم بعد مسيرات طويلة في نفس المكان. وبمعجزة أخرى أيضاً يمنحهم نعمة الفهم والإفهام كما في الفردوس حيث اللغة واحدة: لغة الله. سابِقِين بذلك حكمة العنصرة.
ما أعذب معرفة أنّ لا شيء فينا مخالف لإرادة الله! والعلم بأنّه ينظر بعطف إلى نفس الابن البارّ ويباركها.
من هذا الشعور يأتي نموّ الإيمان والثقة والرجاء، وقدرة النفس والصبر. في هذه الأثناء هي العاصفة. ولكنّها ستمضي لأنّ الله يحبّني ويعرف أنّني أحبّه ولن يبخل بمدّ يد العون لي مرّة أخرى”.
هُم، الحكماء الثلاثة، كانوا فعلاً عظماء. بفضيلتهم فائقة الطبيعة في المقام الأوّل، وثمّ بضميرهم، وأخيراً بثرائهم. إلاّ أنّهم يَعتَبِرون أنفسهم لاشيء: غباراً على غبار الأرض بالنسبة لله تعالى .
إنّهم ينسون النوم والطعام، وإذا ما ارتدوا أجمل الثياب، فهذا ليس على سبيل الغرور الإنسانيّ، إنّما لتبجيل ملك الملوك. ففي بلاط الملوك يدخل الوجهاء مرتدين أفخر الثياب، إذن لماذا لا يذهبون هم أيضاً لرؤية هذا الملك بثياب العيد؟ وأيّ عيد بالنسبة إليهم أهمّ من هذا العيد؟
إنّهم متواضعون، كرماء، مطيعون ومحترمون الواحد من الآخر: فالفضائل تَلِد دائماً فضائل أخرى. بعد تلك التي تتوجّه إلى الله تأتي التي تتوجّه إلى القريب. إنّه الاحترام الذي يصبح محبّة. لقد أُسنِد الكلام باسم الجميع إلى أكبرهم سنّاً، فيتقبّل كذلك هو أوّلاً قبلة الربّ ويقوده من يده.
ذلك أنّ باستطاعة الآخرين أن يروه فيما بعد، أمّا هو فإنّه مسنّ. لا بل إنّ اليوم الذي يعود فيه إلى الله قريب جدّاً. وسوف يرى المسيح بعد موته المفجع وسيتبعه ضمن عِداد المخلَّصين، عندما يعود إلى السماء.
انشودة الانسان الاله / فالتورتا / 1-57.