[arabic-font]
يسوع يتحدث عن موت جدّيه.
حينئذ يُشرِق فَرَح فائق الإدراك بنور سماويّ لم يعرفه بشر، ولا يخبو بفعل وقوعه على جفون ذابلة، على عينين أوشكتا أن تموتا. ولكنّه، في الساعة الأخيرة، يَسطَع أكثر، وينير حقائق كلّ زمن حياتهما المحفوظة في أعماق نفسيهما مغلقاً عليها كالفراشات في شرانقها، لا يَظهَر وجودها إلّا عبر حركات لطيفة ناجمة عن لمعان خفيف؛ إلّا أنّها الآن تفتح أجنحتها الشمسيّة وتُظهِر الكلمات التي تزيّنها. وتنطفئ الحياة في معرفة مستقبل سعيد لهما ولابنتهما، بينما تتفتّح على شفاههما مباركة أخيرة وتمجيد لله.
هكذا كانت وفاة جدّيّ كما استحقّتها حياتهما المقدّسة. بسبب قداستهما استحقّا أن يكونا أوّل حارسين لمحبوبة الله. فقط حين أتت الشمس لتنير أفول حياتهما، حَصَلا على الرؤية الكاملة للنعمة التي مَنَحَهُما إيّاها الله. بسبب قداستهما لم تختبر حنّة آلام الولادة، بل هي وَلَدَت المنزّهة عن كلّ عيب بنشوة بعد الحمل بها.
بالنسبة لكليهما، لم يذوقا سكرات الموت، إنّما خمول الحياة التي خَبَت كما تخبو نجمة عند قيام الشمس في الفجر. وإن لم يحصلا على عزاء امتلاكي، أنا الحكمة المتجسّدة، كما حَصَلَ عليه يوسف، فقد كنتُ موجوداً إلى جانبهما بشكل غير مرئيّ، منحنياً على وسادتهما أهمس لهما كلمات رائعة لأنوّمهما في السلام بانتظار الظفر.
قد يقول قائل: “لماذا لم يتألّما في الولادة والموت طالما هما من أبناء آدم؟”
أجيب: “إذا كان المعمدان، ابن آدم، وهو الذي قد حُبِلَ به بالخطيئة الأصليّة، قد تقدّس لمجرّد اقترابه وأمّه منّي، وأنا بعد في أحشاء أمّي، قبل ولادته، أفلا تحصل الأمّ القدّيسة ( حنّة ) على نعمة من كلّية القداسة ( مريم ) التي لم يمسّها عيب، مِن التي كانت خاصّة الله، وقد كانت تحمل الله معها في روحها شبه الإلهيّة وفي قلبها الذي ما زال جنينياً غير منفصل عن الله منذ اللحظة التي فَكَّر فيها الآب بها، والتي حُبِلَ بها في أحشاء عادت لتمتلك الله في ملء السماء لأبديّة سعيدة.”؟
لهذا أجيب: “استقامة الضمير تؤمّن ميتة صافية، وصلوات القدّيسين تحرز لكم ميتة مشابهة”.
لقد تَرَكَ يواكيم وحنّة خلفهما حياة مستقيمة بكاملها. انكشَفَت أمامهما في لحظة الموت بانوراما هادئة، كطريق توصلهما إلى السماء. فقد كانت لهما القدّيسة في حالة صلاة أمام تابوت عهد الله. كانت تصلّي من أجل والديها البعيدين عنها، واللذين يُعتَبَران بالنسبة لها في مرتبة مباشـرة بعد الله، الخير الأعظم، إلاّ أنّهما محبوبان كما تريد الشريعة والقلب البشريّ، ولكنّه حبّ كامل بشكل فائق للطبيعة.
عن أنشودة الإنسان الإله. فالتورتا / 1 / 15
[/arabic-font]