[arabic-font]
Dec 12, 2017
طفلٌ، مشلوحاً في مذوَد. أمّ عذراءُ، ملهوفةً تحتارُ في ضمّه. أبٌ، لم يتوانَ عن أنْ يكونَ أباً، في بتوليّة لم يخترْها، وكان أهلاً لها. ثورٌ غيرَ معنيّ بالمشهد إلّا بمقدار. ملاكٌ مخاطباً رعاةً طيّبي السريرة نقاةَ الدخيلة: ” وُلدَ لكُم اليومَ مخلّصٌ في مدينة داود، وهو المسيح الربّ”. ملوكٌ ثلاثةٌ، مُقادين إلى مُفترَق طرقاتٍ ثلاث، حيثُ يتلاقَون ويتعارفُون. نجمٌ، ساطعاً يقودُهم إلى حيثُ وجب لهم أنْ يسجدوا.
هؤلاء، شخوصُ المسرحيّة الثانية التي كتبتْها السماءُ وشهدتْها الأرض. أحداثُها جرتْ في بيتَ لحمَ. المسرحيّةُ ألأولى كان قد جرى تمثيلُها في عدن. الفارقُ الزمنيّ بين العرضين بلغَ أربعة آلاف وسبعماية عام..!
مسرحيّتان كُتبت كلماتُهما في السماء، ومُثّلتا على الأرض. مأساة، وبُشرى.
على مسرح عدنَ هوى آدمُ الأوّل. عاش ما يزيدُ على تسعماية عام مكسورَ الضلوع، ثمّ عاد الى التراب. فَقَدَ سلطانَه، فدخلَ الموتُ ثمناً للخطيئة. في بيتَ لحمَ ظهر الإلهُ في صورة آدمَ الثاني، والأخير. أخذ بيدِ الأوّل. أنهضَه من كبوته. غسّلَه. أعادَ له بعضا من سلطانٍ كان لهُ..
على مسرح عدنَ هَوَتْ حوّاءُ الأولى. غالبَتْها الشهوةُ إلى أنْ غلبَتْها. حملَتْ ذلّها قروناً كثيرة. في بيتَ لحمَ انحنَتْ حوّاءُ الثانيةُ عليها. مسحَتْ دمعتَها. حملَتْ ألمَها. أعادًتْ لها بهاءً كان لها..
فَصَلتُ دوماً عدن عن بيتَ لحمَ كخطوةٍ أولى الى الجُلجُلة. ظلّا في نظري حدثين عبثيّين. بقيتُ واقفاً على ضفّة النهر.
في لحظة ما، لمحتُ الخيطَ النورانيّ الذي ربطَ عدن ببيتَ لحم. رأيتُ القاربَ الذي حملَني إلى منبع النهر.
بين شخوصِ المسرحيّة لا أرى الثورَ في الظلّ. ليس الشخصيّةَ الأكثرَ جانبيّةً على المسرح، حتّى ولو أنّه معنيّ ببطنِه فقط، متلهياً بملئِه. في لحظةٍ، سيكون هو الشخصيّةَ الأكثرَ جاذبيّةً على المسرح. في مشهدٍ تالٍ، يجبُ أن يكونَ في الواجهة..!
باعتقادي، تحوَّلَ الثورُ من الشخصيّةِ الأكثرِ جانبيّةً إلى الأكثرِ جاذبيّةً، عندما فهمتُ أنّه أنا.. عندما رفضتُ أن أكونَ هوَ..!
وصلَ الرعاةُ ملهوفين إلى المغارة. سُلّطت عليهم أضواء. كانت ضوضاء. أحسّ الثورُ بحشرية ما. إلتفت.
اللفتةُ كانت هي ضربةُ مِجذافي الأولى، في رحلة التجذيفِ المرهقِ نحو منبع النهر.
الطفلُ المشلوحُ في المذود، أو المغمورُ في حضنِ أمِّه العذراء، لم يعُدْ في لحظة ما الشخصيّة الأولى في المشهد.
تحوّلُ الثور، واحتلالُه المركزَ الأوّلَ في الصورة لا يغيظُ السماء. هو مسرّتُها.
الظهورُ الإلهيّ، إنما نظّمتْهُ السماءُ ليتمَّ هذا التحوّلُ في الأدوار.
وُلدَ ليُلهيَني عن مِعلَفي، فأنظر إلى ما يجري حولي.
[/arabic-font]