[arabic-font]
عدنيّات..
طال بحثي عن عدن. لم أجدْها. فهمتُ أخيراً. عليّ أن أكوّنَها.
أخرجَهُما من عدن. لعنَ الأرضَ، وأقام ملاكاً لحراسة شجرة الحياة.
ظنّي أنّ عدن كانت في بلاد ما بين النهرين، أو في الأرض التي وعد الربّ أبناء إسرائيل بها، وحرم موسى منها. ترجيحي للخيار الثاني.
إعتقادي أنّ الزمن لم يطُل حتى صار هذا المكانُ خَرِباً، لانتفاء الحاجة إليه.
ليس المكان هو ما يعنيني الآن. أطمحُ لأجواء عدن. لنسمة عدن. لقمر عدن.
روح عدن.. عَوَزُ الأرضِ الآن هو لها. على أبناء عدن العمل لإعادتها إليها. هذا هو فهمي لصلاتنا: “ليأتِ ملكوتُك، لتكن مشيئتُك”.
أمضيتُ عمري باحثاً عن عدن. لم أجدْها. فهمتُ أخيراً. عليّ أن أكوّنَها…!
ساعدُك إلى ساعدي، يا صديقي..!
هذا الجيل المتعِب. كل شيء عنده بالمفاوضات!
سمعتُ الكلامَ تعليقاً على سلوك صغارٍ يفاوضون حتّى في نوعية طعامهم. إستظرفت الملاحظة. وافقت عليها…
في خلوتي سألت ذكائي: ونحن، ألسنا جيلا مُتعِبا؟ أليست علاقاتنا التي نبنيها معه قائمةً في أكثرها على المفاوضات؟ صَلاتُنا هل تخلو من منطق التفاوض؟
أولادُنا، ألا يكون تعامُلهم معنا نُسخةً يسجّلها عقلُهم اللاواعي؟
أولادُنا، أحفادُنا، أكبادُنا.. يحاربون.. ولكن بسلاحنا.
قوانينُ الأرض وقوانينُ السماء.
أعجبني اعتراض إبني على هذا الكلام بقوله: لا قوانينَ في السماء، لا حاجة لها.
السماويّون باتوا من الصفاء والنقاء بحيثُ إنّهم لن يكونوا بحاجة لمنع أو زجر أو تنبيه عن خطأ…
هل يفرحُ الربّ بعمل صلاح؟
أقولُ إنّه يفرح؛ ولكنْ ليس من أجله، بل من أجلي. لو فَرحَ لإفادة يجنيها هو، لانتقص ذلك من كماله المطلق.
مفهوم أبوّة الربّ لي يسهّل عليّ تقبّل فكرة فرحِهِ من أجلي.
للمرّة الأولى، أزور بيروت فلا ألقى والدي في بيتنا. آلمتني هذه الزيارة، كما لم تفعل سواها..
المرضُ أصابني أيضا. لازمت الفراش لأيام. برّر صديقٌ عزيزٌ ذلك بقوله: لعلّها نفايات الشوارع. موبوء هواء بيروت..
كيف يُعقَلُ أن يكون هذا؟ أنا ما كنت أتنفّس هواءَ بيروت.. بل هواءَ عدن..
إطمأنّ قلبي على والدي .. إنّه في عدن..
إطمأنّ قلبي على والدتي.. آمَنَتْ بالوعد.. صدّقَتْ أنّه في عدن.. وثِقَتْ أنّها ستلقاه في بيت جديد.. شعرتُ إنّها لَتستعجلُ اللقاء..
إطمأنّ قلبي على أخوتي.. إنهم يعيشون أجواء عدن. ينتشون بنسمات منها..
مشهدٌ جديدٌ. يا لفرحتي..!
ظنّي أنّ تقبّل الربّ لذبيحة هابيل، ورفضه ذبيحة أخيه قايين، مردّه إلى أنّ الأوّل كان توّاقا للعودة إلى عدن التي لا بدّ أن تكونَ أمُّه حوّاء قد حدّثته بتحسّر عن أيّامها فيها.
قايين، بذرةُ التفّاحةِ الحمراء، ثمرةُ الشهوةِ الحمراء، لم يبلغْ حدودَ هذا التوق…
الجريمةُ الأولى ثمرةُ الإبتعاد عن عدن..!
[/arabic-font]