[arabic-font]
أكون لك المرأة.. قالت..!
فكّك حروفك، وانفِها في بحر الكلام
لا فراغ في سطورك، لا اتضاع وانهزام
إرمِ عن منكبيك عباءة جدّك
هيّا، أغنّيك
وراء سور العين، في بُعد البعيد..
على درب الدروب، بين الشيء واللاشيء، إذ نكون ولا زمان..
هيّا، إلى مجدي. إلى أرضي.
الواقع فيها يغار منه الخيال، يطير بجناحين..
تموتُ. لو شئتَ، تحيا بغمزة عين.
أرض ميعاد.. ولا نشيد.
تكون لي الشراع .. قالت..!
ومجذافي.
بك أُبحرُ في بحور الشعر، على موجات الغرام
فكّك حروفك، وانفِها في بحر الكلام
أنت لا تحيا وهما في منام.
إنسَ اسمَك، وهبتُك من إسميّ إسما
خذه، يكنْ لك ذِكرٌ مجيد
ثقْ في هيامي، لا تشكّك في سلامي.
أعلّمْك أبجديّة
لا حروفَ فيها للُحود حالمين
لا نَحْوَ فيها لحوار نائمين
لا اكتئاب. لا انتحاب.
حيث السماء قريبة..
لا نشيدَ في حروفي.. لا دماء.. لا شهيد.
..
غفلةُ وعيٍ، وثبةٌ في اللامكان.
وهمسُ ريح يحرّضني: دع الزمان للزمان
دع ْرعيَ الأيائل
في حقول الملح، دعِ الهوان
على أعلام القبائل
إذ تسمّيه عِزّا وعنفوان..
سِرْ حتى لا تكونَ بل تصيرُ، إلى حيث الحساسينُ
ترعى ، في مراعي الياسمين..
إلى براري، فيها الظباءُ تشدو
والبلابلُ تعدو
على أرضٍ من سحاب. وسط حشد الساهرين..!
في غفلتي خبطتُ، في اللامكان
وهمسُ ريح يحرّضني: دعِ الزمان للزمان
والمكان للمكان.
أُعْبُرْ.
..
غريبا، عبرتُ
إلى ضفّة شجرة الوعد. وحيدا في قفر قفراء
متهيّبا، راغبا ومض وعي وذكاء.
لا ذكريات قريبة ولا بعيدة
لا نشرة أخبار، لا جريدة.
إلى حَرَم نخلة المعرفة دخلت.
قالت: احرسْها
هي لكَ كلّها.
ولكَ ذراعان وثلاثة أقدام من ظلّها.
بيدرُ رمل، شيّد عليه بيتَ شِعرك وابنِ صُوَر
خلّدْ على جدرانها آياتٍ وسُوَر
تسلّى، ريثما أعود..
أنت هنا سلطان المكان.. إنّما،
بغيابي، لا تسعى لفهم الحدود..
على شجرتي لا تتعلّى،
إذ بعدُ لا تسود..!
ثمّ، بخفّة الموت المُنتشي
أوقعتْ عليّ نوما..
بمكر العادل المُرتشي
سرقتْ من صدري ضلعا..
تركتْ قصاصَتي ورق على فراشي
كتبتْ على واحدة اسمَها
على الثانية انتظرني.
سأعود.
أبحثُ في صحرائنا عن واحة، عن جنّة، وثمر
عن شجرة تفاح أبحث، ووتر
أقطفُ لك تفاحة.
وأعود.
أُكتبْ لي قصيدة.
..
سيناء
موطن موسى. جبله. منفاه. عصاه.
هيبته المأسورة
صورته المكسورة
صخرته، فجّرَ منها نبعَ ماء
بحرُه الذي عبر فيه
أسرُه وقد حُشر في فيه
هوان عقوبة
طلّة إلهه المرهوبة
حمأة موسى. ضربته في الصخرة حتّمت حكما، فجزاء.
أربعون عاما في سيناء
حمل ذلّ شعبه
تلقّى آيات. دوّنها في توراة
بلّغ نبوّات.
كئيباً عاش موسى في سيناء..!
لم يرقَ. ظلّ ابنَ نفسه
تاه بين الأنا واللاأنا
وما دنا
إلّا يسيرا، من وجه العليّ
من العرش البهيّ
ولا ذاق خمر الإناء.
تلقّى آيات، دوّنها في توراة، بلّغها نبوّات.
لم يأمر بحجٍّ أو بعُمرة
وما طُهّرت شفتاه بجمرة..
كئيبا مات موسى في سيناء..!
..
أنا
مِثلك، مخمورا كنت في سينائي
حاسبا إيّاها سمائي
أقفّي حروفا في قفاف من سراب
أولّد كلمة من لحد كلمة. أدفنها في آية
أسعى إلى رحم يُنجبُني
عن مراكب التيه يُبعدني
إلى مواكب الأرض يُوردني.
مخمورا، أقفّي حروفا في قفاف.
خلتُ مجدي في سحاب
وإذ أنايَ في ضباب
سجين ذراعين في ضمّة من تراب..
سجني نبوّة مزعومة.
قيدي لغةُ ضاد، وحروفُ علّة
وسجّاني ممنوعٌ من الصرف غبيّ، وسلّة
من قواعد نحوٍ لا نفع فيها، ولا بيان..!
دربي سلالمُ وهمٍ،
ولافتةٌ مسمّرةٌ في قدميها بسهمٍ
وآيةٌ مدوّنةٌ عليها:
إلى اللامكان…!
أربعون عاما أنتظر فدائي
في سينائي.
أربعون سقطة..
جبلي جاورَتْه شجرةُ نخيل
عبثا أتسلّق جذعَها، طمعا بثمرة معرفة وبيان
أو بقايا رحيق من فم لُقمان.
أربعون سقطة..
أربعون كسرا في ساقي اليمنى، ومِثلُها في اليسرى
أربعون عاما. أربعون قصيدا في قصيدة..
قصيدة تدور في كلمة
كلمة تجول في قصيدة
نبوءة مخبوءة مأزومة هرمة
سورة في كلمة، تولد من لحد كلمة
آية تبحثُ عن أذن، وعن لسان.
أربعون عاما في بيداء
لا مَنّ فيها ولا سلوى
جبلي مسيّج. قمّته محروسة. سيف نار بيد ملاك
شجرة نخيل مسحورة..
إلهُ هارونَ في صمت عجيب..
بُرقع أسود.
صقيع تلاشى، ثمّ وُلد في انبعاث
في قميص من لهيب..
حروفي رسوم فحمة على غبار المحرقة
حَرَنَتْ عصاي، ما من مُجيب..!
مُغلقة أبوابُ السماء..!
أربعون عاما
بقيّة من روح، مثواه دمُ جسد نحيل
معبوده إلهٌ مجهولٌ قتّارٌ بخيل
مأواه ظِلُّ سعفات نخيل.
زاده تمر وخمر
مشويّ على جمر.
مائدة أنبياء، إرث فقهاء
عُدّتي لغة صمود وثبات. لغة فقه، حرّاسُها علماء
دين. وخلفهم بقايا من.. شهداء
حدودها أوامر قدسيّة، يقولون نُزّلت.. من سماء.
حروفها رسوم فحمة على غبار المحرقة
حَرَنَتْ عصا موسى، سماؤه مُغلقة
ليس في الصخرة بعد حياة
ولا منها يخرج ماء..
..
يائسة قصيدتي.
آية تنفّضت من عَفَن القرون، ومن ذلّ الشريعة والزمان
تنكّرَت للأوامر. تجاهلَت النواهي.
مزّقَت برقُعَها الأسود، لكنّها،
هربا من فيض تسجيع ووزن
جالت تبحث عن أذن
تسأل عن حرّ لسان
يجرؤ، فيرفع بها الأذان..
على الحدود، بين اللامكان والمكان..!
بائسة قصيدتي
ظلّت يتيمة
أُلغيَت الوليمة
لم تعد التي اسمُها اسمي، ورسمُها رسمي.
تاهت، في درب ما خلف المكان
في غابة التفاح الأحمر.
ألغيتُ الوليمة
قصيدتي ظلّت يتيمة
لا أذنَ وجدت، ولا لسان..!
..
نبيَّ الله، هوّن عليك..!
كسّرعصاك، وسيفك، وانكسِر. صقيع قلبك في زَوغ عينيك.
دع التيه والخضوع والسجود والأنين
دع الإئتمار، وعَدّ النجوم ورصد الهلال.
روّض أناك بالحبّ، نوّره بالحنين
ذُق العشق دربا إلى وكر النسور،
في خلوة الغنج وعرزال الدلال.
دع العبوديّة..
هُبّ، وأسُر حارسَ ستر الأسفار
أدخلْ إلى الحصن، حصن الحبيب
إلى حضن المقيم في مخبأ الأسرار.
لا تنسَ روحَك في البدن المدفون
انفض الغبار عن سرّها المكنون..
صِحْ إلى سمائه: آبا.
أُذكرْ. لك جناحا نسر
لا تحبُ، لا تستطب عيشة أسر.
إلهُك لا يبغي عبيدا منحنين،
بل كروما وغصونا
تثمر بناتٍ له، وبنين.
ما كها، نبيَّ الله..!
ما كها تكون النبوّة..!
ولا كها تكون البنوّة..!
لو إنّك عدت منك، إليه
وسكبتَ الدمع، فوق يديه
لو كسرتَ قارورة الطيب عليه
ومسحتَ بشعرالمجدليّة قدميه
وصحتَ: آبا..!
لسمعتَ صوتا ينادي: إبني حبيبي..
وتغيّر سفرُ المكتوب..
ورقّ قلبُ المحبوب..
لو إنّك،
كنت العاشق الولهان..!
..
أنا،
كسّرتُ السياج. سَبيتُ روحي من سور سينائي
رسمتُ باباً لسمائي.
أراني في بيت الناصرة
أخطّ على الرمل وجهَ الحبيب
أحلُمُ أمّه.
ألمس في كفّيه ثقبا. أجسّ منه جرحَ الخاصرة
أحارُ في تفسير ما جرى. أبحثُ في الذاكرة
أفهمُ سرّه.
أهتفُ: أبي زدني علما
هَبني لإيماني فهما.
.
ويأتيني اليقين. فهمت سرّ الأربعين
بعد طول زمان
وطول أنين.
صرتُ صادقَ الحبّ. هائمُ القلب، أمين.
نديمُ مجلس السرّ المستور، في دوام حنين.
لا قريبَ، لا بعيدَ. أحاديُّ وجود. وحدويُّ كيان..
في المكان الذي خلتُه لا مكان.
صرفتُ سنيّ الأربعين
مضى زمنُ العقوبة
ألغيتُ الوليمة
قصيدتي ظلّت يتيمة
لم تعُد التي اسمُها إسمي، ورسمُها رسمي.
تاهت، في غابة التفّاح الأحمر
تُقدِّسُ وعيَ العقل، وتدوسُ نورَ القلب
في درب ما خلف الدرب.
حيث، جبينُ الحقّ يُمتَهَنُ
ووجهُ الحبّ يُهان.
هجرتُ حالي
نجوتُ من ذاتي، مزّقتُ قماطي،
من خلوة النفاق كان ارتحالي.
أنا لست أنا..
أنا أنتَ..وأنتَ أنا.. أنا هو، وهو أنا. أنا ابنُه. أيضا، أنا ابنُ نفسي.
أنا العاشق والمعشوق
أنا السحابة تذوب هوىً بنور شمسي
وشوقا تترجمه في بَوحي وهمسي.
أنا الخطّاء، وأنا الديّان.
إنقضت السنون الأربعون
أيقنتُ:
ألروح من الضياء، الجسد من الجماد
ألعين في القلب
ألوعي هو النور. ألنار من الرماد
ألنسمة في الجمرة
ألسرّ في البذرة.
ألولاية فقط للأولياء
ألنبوّة فقط للأنبياء.
إنتهى عهدُ السبي
قلتُ:
أقومُ، وأرجعُ إلى أبي…
لا رعبَ من الدينونة. لا خوفَ من الديّان.
هو الأبُ الطيّبُ. هو الحنّان…
[/arabic-font]