طاعة “حوّاء الثانية”… مريم تقول: أل ” نعم ” التي قلتُها مَحَتْ ال ” لا ” التي قالتْها حوّاء.

[arabic-font]

قراءة هذا الفصل بتمهّل وتمعّن تجعلك تتعرف على مريم ( حوّاء الثانية ) عن قرب وبدقة دقيقة…إنّها الرؤيا البالغة الأهميّة لتاريخ 08- 03 – 1944
مريم تتحدث لفالتورتا:
«في الفرح -ولأنّني ما أن أدرَكتُ الرسالة التي دعاني الله إليها امتلأتُ فرحاً- فُتِحَ قلبي كزنبقة مغلقة، وتدفّق منه الدم الذي أصبح أرضاً تُغرَس فيها بذرة الربّ.

**** فرح الأمومة التي كان من المفترض أيضا أان تكون أمومة حوّاء والجنس البشري بعده ****ا:

كنتُ قد كرّستُ نفسي لله منذ طفولتي الأولى، ذلك أنّ نوره تعالى قد كشف لي كوضح النهار سبب شقاء العالم، وقد أردتُ، على قدر استطاعتي، محو بصمات الشيطان عنّي. وبما أنّني وُلِدتُ من أبوين بشريّين، لم يكن مسموحاً لي أن أفكّر أنّني أنا المختارة المدعوّة لأكون دون عيب.
كان روح الله قد أطلعني على ألم الآب أمام فساد حواء التي أرادت أن تتخبّط وتنحدر فتهبط من مستوى خليقة النعمة إلى مستوى المخلوقات الدنيا. كنتُ أحمل في نفسي الرغبة في تلطيف هذا الألم، وذلك بأن ينمو جسدي وفق طهارة ملائكيّة، مع إرادتي بأن أحافظ على نفسي من أن تُنتَهَك أفكاري ورغباتي، وكذلك أن أحافظ عليها في علاقاتي البشريّة. فخفقان قلبي كان لله فقط، وله فقط كياني بأكمله. ولكن حتّى ولو لم تكن في حرارة الجسد المتأجّجة، فقد كنتُ أملك قرار التضحية بألّا أصبح أمّاً.
الأمومة. أمومة عذبة وطاهرة، دون وطأة الأحاسيس! لقد اختَبَرتُها! كم افتَقَرَت حوّاء برفضها هذا الغنى! أكثر من كونها غير آيلة للموت. ولا يكن ذلك بادياً لكم كأنّه مبالغة. يسوعي، وأنا معه، عرفنا خمول الموت. أنا عرفته لطيفاً، إذ عندما أُنهِكتُ أخذني النوم. أمّا هو فقد عرفه حكماً وحشيّاً عليه بالموت. فنحن أيضاً أدرَكَنا الموت. ولكنّ الأمومة دون الانتهاك بأيّ شكل، فلي فقط، أنا حوّاء الجديدة، لكي أستطيع أن أُحَدِّث العالم عن مدى عذوبة مصير المرأة التي كانت مدعوّة لأن تصبح أُمّاً بدون ألم الجسد. والرغبة بهذه الأمومة الطاهرة كان ممكناً أن توجد، وقد وُجِدَت بالفعل في العذراء التي كانت بكلّ كيانها لله، فهذه الأمومة هي مجد المرأة.
لو فكرتم بعدئذ بمدى سرور المرأة حين تصبح أمّاً عند الإسرائيليّين، لكنتم تمنّيتم بشكل أفضل التضحية التي رضيتُ بها بإقبالي على نذر نفسي لهذا الحرمان. أمّا الآن فقد مَنَحَ الصلاح الأزليّ لخادمته هذه النعمة دون أن ينزع عنّي البراءة التي لَبِستُها لأكون زهرة على عرشه. وأنا قد اختبرتُ غبطة سَنيّة بامتلاك الفرح المزدوج لكوني أمّ إنسان وكوني أمة الله بآن معاً.

**** فرح كوني أنا التي بها السلام وصل السماء بالأرض ****:

آه! الرغبة بهذا السلام، لمحبّة الله والقريب ومعرفة أنّه بواسطتي، أنا الخادمة المسكينة للكلّيّ القدرة، كان قد أتى هذا السلام للعالم! أقول: “ألا أيّها الناس، لا تعودوا تبكون بعد. فأنا أحمل السرّ الذي يجعلكم سعداء. لا أستطيع البوح به لكم لأنّه راسخ فيّ، في قلبي، مثلما حَوَت أحشائي ابن الله دون مسّ. ولكنّي الآن أحمله وسطكم، وكلّ ساعة تمرّ تدني اللحظة التي ترونه فيها وتعرفون اسمه القدّوس.”

**** فرح إعطاء الفرح لله: فرح مؤمنة بإلهها الذي أصبَحَ سعيداً ****:

آه! يا لنزع مرارة معصية حوّاء وكبريائها ومرارة كفرها من قلب الله! لقد أظهَرَ يسوعي الخطيئة التي دنّس الزوجان الأوّلان نفسيهما بها. ولقد مَحَوتُ هذه الخطيئة بالسير بعكس مراحل السقوط.
بداية الخطيئة كانت في عدم الطاعة. قال الله: “لا تأكلا ولا تلمسا هذه الشجرة.” لقد كان باستطاعة الرجل والمرأة، مَلِكَي الخليقة، لمس كلّ شيء وأكل كلّ شيء ما عدا تلك الشجرة، لأنّ الله أراد أن يجعل الملائكة فقط أسمى منهما، وهما لم يأخذا منعه هذا بعين الاعتبار.
الشجرة: الواسطة التي بها اختَبَرَ الله طاعة أبنائه. ما هي الطاعة لأوامر الله؟ إنّه الخير، لأنّ الله لا يأمر إلا بالخير. وما هي المعصية؟ إنّها الشرّ، لأنها تبثّ في النفس مشاعر العصيان، وهي الأرضيّة الملائمة لعمل الشيطان.
وتدنو حوّاء من الشجرة التي كان من المفروض أن تهرب منها لتنال الخير، بينما مجاورتها، على العكس مَنَحَتها الشرّ. ذهبَت إليها منجذِبة بفضول سخيف لرؤية ما بها من خصوصيّة، وبالطيش الذي جعلَها تحكم بأنّ أمر الله غير ذي جدوى، لأنّها قويّة وطاهرة، ملكة عدن، حيث كلّ شيء تحت تصرفها، وحيث لا شيء يمكنه أن يؤذيها. معصيتها هذه ستكون سبب دمارها، المعصية التي أصبَحَت الآن خميرة الكبرياء.

إلى جانب النبات، وُجِدَ المغوي الـمُضَلِّل الذي اغتنم فرصة عدم خبرتها، سذاجة عدم خبرتها كعذراء، ضعف عدم خبرتها، وغَنَّى أغنية الكذب:
“أتؤمنين بوجود الشرّ؟ أبداً. لقد قال الله لكِ ذلك ليبقيكِ خادمة لجبروته. أتظنان نفسيكما مَلِكَين؟
لا، فإنكما لستما حتّى ولا حرّين كالحيوان البرّيّ الذي جعلَهُ يحبّ حبّاً حقيقيّاً، وذاك ما لم يَسمَح به لكما. لقد أَذِنَ له أن يصبح خالقاً مثل الله، فهو يتوالد ويصبح له أبناء، ويرى عائلته تنمو وفق مرامه. الأمر الذي لم يَسمَح به لكما. هذه المسرّة مرفوضة بالنسبة لكما، فما نفع كونكما رجلاً وامرأة إذاً، إذا كان مفروضاً عليكما العيش هكذا؟ كونا آلهة.
أنتما حتّى الآن لم تعرفا مسرّة أن تكونا اثنين في جسد واحد وتَخلقا منكما ثالثاً وأكثر. لا تؤمنا بوعود الله بأن تستمتعا بذريتكما برؤية أولادكما يُنشِئان عائلات جديدة، وبأن يدعكم لتكونوا آباء وأمهات، لقد أعطاكما شبه حياة. فالحياة الحقيقيّة هي معرفة قوانين الحياة. هي إذن أن تصبحا شبيهي الآلهة وأن تستطيعا القول لله: “نحن مساويان لكَ؟”

وتستمرّ الغواية لأنّ حوّاء لم تكن تملك الإرادة في طردها، بل بالأحرى رَغِبَت في اتّباعها ومعرفة ما لم يكن يخصّ البشر. وها هي ذي الشجرة المحرّمة تصبح المميتة بحقّ للجنس البشريّ، لأنّه من أغصانها أُخِذَ ثمّر المعرفة المرّ الآتي من الشيطان. وقد أصبَحَت المرأة أنثى، ومع خميرة المعرفة الشيطانيّة في قلبها مضت إلى آدم لتفسده. هكذا الجسد انحدر، والأخلاق أُفسِدَت، والروح حطّ من قدره. وها هما قد عرفا الألم وموت الروح المجرّد من النعمة والجسد المجرّد من اللاموت. ومن جرح حوّاء وُلِدَ الألم الذي لن يزول حتّى موت آخر زوج على الأرض.

مَشَيتُ درب الخاطئين بالعكس. أطعتُ. في كلّ الظروف أطعتُ. طَلَبَ الله منّي أن أكون عذراء. أطعتُ. بعد أن أحببتُ البتولية التي جعلَتني طاهرة مثل المرأة الأولى قبل معرفة الشيطان، طَلَبَ منّي الله أن أكون عروسة. أطعتُ، رافعة الزواج إلى هذه الدرجة من الطهارة التي كانت في فكر الله عندما خَلَقَ الأبوين الأوّلين. مقتَنِعة بأنّ قدري هو الوحدة في الزواج واحتقار القريب لعقمي المقدّس، حينئذ طلب الله مني أن أصبح أمّاً. أطعتُ. وأيقنتُ أنّ هذا ممكن وأنّ هذه الكلمة أتت من الله، وأنّني لدى سماعي إيّاها كنتُ مغمورة بالسلام.

لم أفكّر أبداً: “أنا كنتُ أستحق ذلك”. كما لم أقل لنفسي: “الآن سينظر العالم إليّ بإعجاب لأنّني أصبحتُ شبيهة بالله بولادتي جسد الله”. بل قد تلاشيتُ في التواضع. وتدفَّقَت المسرّة في قلبي كعود مزهر. ولكنّه اكتظّ مباشرة بأشواك حادّة وأصبحتُ محاصرة، مغلفة بالألم كالأغصان التفّ حولها اللبلاب. ألم معاناة الزوج: إنّه المعصرة في أحشاء الفرح. ألم آلام ابني: تلك هي الأشواك وسط فرحي. فحوّاء أرادت الاستمتاع والنصر والحريّة. وأنا رضيتُ بالألم والتلاشي وبأن أكون أَمَة. لقد كفرتُ بحياتي المستقرّة، بتقدير الزوج وبحريّتي الشخصيّة. ولم أحتفظ لنفسي بشيء.

قلتُ “نعم”. نعم. وهذا يكفي. وهذه “النعم” محت “لا” حوّاء لأمر الله. “نعم، يا ربّ، كما تشاء، سأعرف ما تريد. سأحيَى كما تشاء. سأستمتع إن أنتَ شئتَ، سأتألّم لما تريده أنتَ. نعم، دائماً نعم، ربّي، منذ اللحظة التي جَعَلَني فيها شعاعكَ أُمّاً وحتّى اللحظة التي ناديتني فيها إليكَ. نعم، دائماً نعم. كلّ أصوات الجسد، كلّ انحناءات إحساسي تحت ثقل هذه النَّعم الدائمة التي هي لي. وكما على قاعدة ماسيّة، روحي تنقصها الأجنحة لتطير إليكَ، ولكنّها السيدة على كلّ الأنا المروَّضة والخاضعة لخدمتكَ في الفرح، لخدمتكَ في الألم. ولكن ابتسم يا الله وكن سعيداً، فلقد غُلِبَت الخطيئة، انتُزِعَت، قُوِّضَت، طُرِحَت تحت كعبي، غُسِلَت بدموعي، هُدِمَت بطاعتي. ومن أحشائي ستنبت الشجرة الجديدة، ستحمل الثمّرة التي تعرف كلّ الشرّ لتتألّم به بذاتها وتعطي كلّ الخير. إليها يأتي كلّ البشر، وسأكون سعيدة لو يقطفونها، حتّى ولو لم يفكّروا أنّها منّي نبتت، ليخلص البشر ويكون الله محبوباً، وليجعل من خادمته ما يتمّ عمله بأرض تنتصب فيها شجرة: درجة سلّم من أجل الصعود.”

[/arabic-font]