[arabic-font]
أعودُ إلى ” أعمال الرسل ” كلّما سئِمتْ نفسي قراءة نتاج عقل البشر وروائع مخيّلتهم .. أعودُ، ولا أعرفُ سببا أورده لإقناعك، بالتشبّه بي، في لحظات وحدتك، وبحثك عن نبع ماء حيّ يريح نفسك وينعش روحك. لا أملك سوى القول: أقعُ في هذه الصفحات على شخوص، تقودني عشرتُهم إلى مخارجَ سلسة لكلّ مأزق حياتيّ عبثيّ؛ إذ أسعدُ بمناخ تصالحيّ فريد مع ذاتي، ومع كلّ ما يحيط بي من وجود محسوس..!
جُلّ ما أعرفه، هو أنّي أعودُ إلى أعمال الرسل، كلّما أسَرَتْني ساعاتُ الليل الطويلة، فأحارُ في البحث عمّا أرتاح إليه. ألأنّي أجدُ بين هذه الصفحات رجالا تعملقوا في ماض بعيد، ولم يكفّوا عن التعملق يوما، في كلّ عين قرأتْ سيرة حياتهم وما أنجزوا فيها؟
أتُراني أعودُ لأنّي أحببتُ المغامرات بالفطرة، وسعيت دوما إلى الإبهار بمواقفَ متميّزة لا تخلو أحيانا من الخطر؟
أو لأنّي أجدُ الآن في يوميّات بطرس وبولس مرآة نفسي، أو على الأقلّ، صورة لما تمنّته وفشلَتْ في أنْ تكونَه؟
قد يكون هذا، وقد يكون ذاك، لا أعرف. كلّ ما أعرفُه، أنّي أقعُ في هذه الصفحات على منبع راحة، قد لا تشعر بها أنت، قارئي العزيز، ولكنّك، حتما ستحسّها إن أدمنتَ على تقليبها، كلّما أخذَتكَ الوحدةُ ونكّدت عليك ليلتَك الشتويّة الطويلة.
شاول، بولس ليس شخصيّة مسرحيّة من شخوص ابتكرتها مخيّلة واحد من كتّاب ما يتعدّى الواقع بنَفَس سورياليّ .
سمعان بن يونا، بطرس ليس بطل رواية إجتماعيّة كتبها ” ليو تولستوي ” أو ” فيكتور هوجو”، أو استرسل في نسج قماشتها خيال ” طه حسين ” أو ” توفيق عوّاد ” .
الحبيب يوحنّا ليس بطلا رومنسيّا اخترعتْه مخيّلة كاتب ساح على أجنحة الخيال في آفاق الأحلام.
بطرس، كما بولس، وكما يوحنّا وسائر أبطال ذلك الزمان، شخصيّات تاريخيّة واقعيّة سجّلت بطولات استثنائيّة لم تُعطَ حقّها، ولن تعطاه أبدا في عالم الجسد والمادة.
عايش هؤلاء الرجال أعظمَ إنسان وطئت قدماه وجه هذه البسيطة. تتلمذوا له وعليه. سمعوا منه. عاينوا مجده. ثمّ، انطلقوا واثقين. يعملون خوارق غير مسبوقة. يحدّثون عن وطن ثان. يبشّرون بحياة أخرى، ذهب اعتقادهم بها إلى أبعد من الإيمان؛ إذ رأَوا معلّمَهم وقد قام من القبر بعد ثلاثة أيّام، وصعد إلى وطن آخر أمام أنظارهم وأنظار خمسمئة من رفاقهم بعد أربعين يوما على قيامته…
أعمال الرسل تدوين تأريخيّ أمين وواقعيّ لأعظم فترة تاريخيّة عرفتها البشريّة. هذه قناعتي.
قد يكون هذا سبب حنيني لها، كلّما أعياني التعب من نوائب هذه الدنيا، ولجّ بي الشوق إلى بيتي.
[/arabic-font]