ذئب فرنسيس … وذئابنا …

ورد في سيرة القديس فرنسيس إنّه كان في نواحي مدينة غوبيو واحد من الذئاب الضخمة  والشرسة للغاية، وقد ألقى الذعر في قلوب سكان المدينة. فإذا أراد أحدهم الخروج من المدينة، كان عليه أن يتسلّح بالسيف والحربة، كما لو كان ذاهبا الى الحرب، خشية أن يفترسه الذئب المتوحش.
هذا، وكان الذئب يدخل المدينة غالبا، ويتجوّل في طرقاتها بحثا عن الطعام. فيخلي السكان الطرقات، ويختبئون داخل بيوتهم خائفين.
ذات يوم وصل القديس فرنسيس إلى جوار غوبيو، فالتقى بأحد القرويين المسلّح بمذراة. فلمّا رأى القروي القدّيس، حذّره من الذهاب إلى غوبيو بسبب وجود الذئب الرهيب. لكنّ الأخ فرنسيس أشفق على هؤلاء الناس البسطاء. فابتسم ورسم إشارة الصليب، وتابع سيره إلى المدينة، وما أن دخلها حتّى تصدّى له الذئب الشرس، فوقف أمامه، وبقي هادئا، وجلس، ورسم إشارة الصليب باتجاه الذئب، ثمّ حاوره قائلا:

هنا حوار متخيّل بين ذئب غوبيو وقدّيسها فرنسيس…

ف – يا أخي الذئب، جئتك في طلب نصفه رجاء..ذ – في عينيك ذبول، وفي جسدك نحول. جائع أنت. سأصيد لك غزالا.ف – ما في هذا جئت. مأكلي من خبز يعطينِهِ ربّي كفافَ يومي.ذ – تريدني إذا أن أرحلَ عن هذا الجوار.ف – بل تبقى. ولكن بعهدٍ جديدٍ مع القرويين. فقط أن تكفّ عن مهاجمتهم وترويعهم.ذ – وجراحي؟ أنسى جراحي؟ تناديني أخي، وتنسى جراحي؟ف – تسامح. يسامحون. يتعهّدون بتأمين غذاءَ يومِك. عهدٌ جديدٌ بينك وبينهم.ذ – أثقُ بهؤلاء الأنذال؟ لا بد أن يغدروا بي. فؤوسهم الحادّة لن ترحمني… وهل يثقون بعضُهُم ببعضِهِم، حتّى أثق أنا بِهِم؟ف – يا أخي الذئب، ألا تثقُ بي؟ أنا ضامنٌ عهدَهم. لن يغدروا بك. ستكون أيام حلوة بينك وبينهم. صدّقني. السلام نعمة.ذ – وأنام ملءَ جفوني؟ لا تكونُ لي حاجةٌ لعين ساهرة؟ ف – وتحلم بما وراء الغيوم. وتلهو مع النجوم. تحاكي القمر وتحصي دوراتِ الأرض.ذ – أرِدُ النبعَ فلا تهرب منّي النساء؟ ولا تخفْنَ على أطفالهنّ؟ إيه.. ألأطفال.. ألأطفال.. لحمُ الأطفال لذيذٌ لذيذ. لا! لا! لن أتخلّى عن لحم الأطفال. ألإتفاقُ يستثني الأطفال.ف – وتكونُ لك عائلةٌ مثلهم.. ذئبةٌ وجراءُ صغار، ويتكفّلون هم بإطعامِهم.ذ – ذئبةٌ وجراءٌ صغار،، قلتَ؟ أفرحُ بهم، ويفرحون بي؟ وأدخلُ القريةَ بسلام..وهم معي.. ولا يُقفلون الأبواب في وجهي.. ولا يتنادَون لضربي ..  ولا تهاجمُني كلابُهم.. ويربّتُ الأولادُ على كتفي.. ويلمس الرجالُ فروة رأسي .. وتكونُ لي ذئبةٌ وجراءٌ صغارلا يجوعون؟ أجل. هذا جميل. ولكن. لحمُ الأطفال. كيف لي أن أنسى لحمَ الأطفال؟ف – سيكونُ لك إسمٌ. أنت لا تعرفُ الآن معنى أن يكونَ لك إسمٌ. إن نادتك النسوةُ باسمك ستدركُ معنى أن تكونَ حارساً للأطفال.ٌذ – أنا حارسُ أطفالِهم، وهم رعاةُ جرائي؟ هذا جميل، جميل. سأصيدُ لهم الغزلان، ويُطعمونني من خرفانِهم. ونعيشُ، أنا وهم بوئام وسلام.وكان عهدٌ جديدٌ بين ذيب غوبيو وقرويّيها، فعاشوا سنواتٍ بوئام ٍوسلام، ولمّا مات الذئبُ دفنوه في القرية، ولم يبقَ منهم أحدٌ إلا وبكاه.

وذئابنا.. مَن يعقدُ معهم عهدا؟ مَن يثقُ بعهودهم؟ ومَن يبكي عليهم إن هم ماتوا؟
سفلة…