حُلُمي الّذي أنعش ذكائي

[arabic-font]

ليلتي كانت هانئة. صقيعُها لطّفه دفءُ حُلُمٍ لطالما رغبت به.
أنا في رحلة كونيّة، لا حاجة لي فيها لمركبة أو طائرة. أطير، وكما لو إنّي معتوق من ثقل الجسد، ومن عبء التراب المخبوء في هذا الجِراب الّذي أسمّيه جِلدي. أعلو وأعلو، وما من مُعيق. أشعر بمُعين خفيّ يدفع بي إلى الأمام. أتّجه إلى هدف أرغب به، على جهلي له. القوّة الدافعة تحوّلت في لحظة ما إلى قوّة تجذبني. جذبُها لي ناعم لطيف، حتّى لكأنّه دعوة إلى مائدة ملوكيّة، يرغب ربّها أن يراني بين مدعوّيه إليها. أنا مسلِّم ذاتي بكلّيّتي للقوّة الجاذبة، هانئا بها؛ كما كنت مستسلما للقوّة الدافعة، وهانئا بها.
دخلت إقليما كونيّا جديدا. أدركت أنّي على مقربة من قصر الملك، مُضيفي. رأيته من بعيد وعرفته، إذ لا مثيلَ له. على الباب الكبير، أخذَتْ ذاتُ اللباس الأبيض الباهر بيدي، وأرشدتني إلى غرفة المائدة.
سيّدُ العرش على رأس المائدة. عرفتُه، إنّه هو. المدعوون في أماكنهم. كرسيّ واحد لا يزال فارغا. هو لي. تهيّبت اللحظة. حيّيت متلعثما. نظر إليّ. شجّعني ما في ابتسامته من حنوّ. دنوت، غير قادر على كتم شهوة قلبي المزمنة.
سألت: يسوع.. أين يسوع؟ أريد ان أرى يسوع.
نظر إليّ. إبتسم.
كرّرت السؤال: يسوع.. ألنْ أراه؟
قال، بالحبّ كلّه والحنان كلّه: إبني! حبيبي! ألم تفهم بعد؟ أنت إبني.. أنت يسوع.
في هذه اللحظة، وإذ انقطع حُلُمي الحلو، إنفتح فهمي مع فتحي لعينيّ. أدركت كلّ المعنى لقول يسوع يوم كان على الأرض: أنا الكرمة وأنتم الأغصان. أنا رأس الجسد وأنتم أعضاؤه. هذه المعجزات التي ترَونها ستعملون مثلها، وحتّى أعظم منها..
أدركت ما كان خافيا على فهمي، وعَصيّا على ذكائي: في اللحظة الّتي صعد فيها يسوع على مرأى من محبيه، سلّمهم الدّفّة، فإذا كلّ واحد منهم مخوّل أن يكون يسوع.. إن أراد..!
كلّ واحد يستطيع السير على لجّة البحر الهائج، أو الغرق فيها. . إن أراد..!
يستطيع أمر الأرواح الشرّيرة فتأتمر له، أو يستسلم أمامها ويأتمر لها.
يستطيع طلب النعمة؛ نعمة الألم.. أو نعمة الفرح.. أو نعمة الشفاء.. وتُعطى له.
هو سلّمهم. هم سلّمونا.
صديقي.. ثِقْ بي.. ثِقْ بما أُخبرُك به.. كانت واحدة من أحلى ليالي عمري.. ألآب السماويّ ابتسم لي، وقال إنّي يسوع..!
هو حمّلني أيضا سلاما لك، ورسالة. طلب منّي أن أقولَ لك: مائدتُه مفتوحة لك أيضا. لكنْ، لا تأتِها طالبا رؤية يسوع.
إئْتِها عارفا أنّك ابنُه، أنّك يسوع..لكن في القماط..!

[/arabic-font]