[arabic-font]
جدراننا، سمّاها أجدادنا أسوارا. لن أطيلَ في الحديث عن أسوار أريحا التي ساعد يهوه ربّ إسرائيل شعبه على هدمها، لإفناء كلّ ذي ثمر، من الإنسان إلى الشجر.
لا أنسى سور الصين العظيم الذي يُعتبر شاهدا على اقتدار الإنسان وتجبّره. لم أسمع أنّ أحدا ممّن تحدّثوا عنه قد اتّهم بانيه بالعنصريّة والإنعزاليّة. زرعوا في أذهاننا فكرة العظمة عندما حدّثونا عنه، ونحن بعد صغارا.
جدار “دونالد ترمب” غنيّ عن التعريف. الثريّ الأميركي يصرخ : أميركا اوّلا. هو اليوم، بقلم صحافيي عصر البؤس الذي نعيش فيه، رمزٌ للذهنيّة الإنفصاليّة والتجاريّة التي تقيم وزنا للربحيّة كمعيار للنجاح.
صراخه أوصله إلى البيت الأبيض على أساس وعود عاهد الأميركيّين على تنفيذها. في طليعتها بناء جدار فصل بين أميركا العظيمة والمكسيك البائسة.
” جدار ترمب العظيم ” بات مشهورا، ولكنّ الإسرائيليّين سبقوه، إذ بنَوا لأنفسهم جدارا مصغّرا للفصل بين اليهود والعرب. هم يريدون حماية أرض ميعادهم، ومنع أولاد عمّهم إسماعيل من التسلّل إليها.
للرئيس التركيّ جنّتُه النموذجيّة أيضا. من حقّه أن يحميَها. مبتدع ” مدرسة الديمقراطيّة الحديثة “، وقد باتت مرادفة لل ” أردوغانيّة “، غاضب على الأكراد التوّاقين إلى الحريّة والإستقلال. هو يخطّط لبناء جدار فصل يدرأ به عن نفسه همجيّة أبناء عمومته.. الأشرار..
موجات اللاجئين الوافدين إلى أوروبا دقّت جرس إنذار في الرؤوس المؤدلجة قوميّا، فرأت حماية مصالحها بتسييج حدودها. بنى الرئيس المجريّ سياجا يستحيل اختراقه على طول حدوده مع دول البلقان. البلغار يفكّرون حذو حذوه على حدودهم مع تركيّا. الحكومة الرومانيّة لن تتأخرَ في الشروع بمثله.
من أطرف ما سمعت مؤخّرا أنّنا نحن اللبنانيّين – أو شعوب محدّدة من شعوبنا – نخطّط لبناء جدار فصل حول مخيّم عين الحلوة في الجنوب، لمنع أشرار الفلسطينيّين من التسلّل إلى المخيّم ومنه دون مراقبة.
أنا أيضا متضايق من جيراني. كادوا أن يكونوا جحيمي، أو قُلْ هم كذلك فعلا. تأخذني عبقريّتي أحيانا إلى ابتداع حلّ خلّاق يُخرجني من نارهم. جدارُ فصلٍ أبنيه على حدودي، يكون حاميا لجنّتي، ودارئا الشرّ عنها.
وأنت صديقي.. أنت الذي تنتقد عنصرية دونالد ترمب وبنيامين نتنياهو وسواهما. أنت الذي تلعنهم وتتّهمهم، أما خطّطت لجدار فصل بينك وبين جارك لحماية جنّتك ودرء شرّه عنك وعنها؟
المعضلة ليست في جدار ترمب. هي في مكان آخر..!
واحد فقط جاء لهدم الجدار. بينك وبيني. بيننا.
أظنّك عرفتَه.. صديقي..!
…………………………………
# # الكتابة في جدران الفصل أوحاها لي جدار بناه في بداية عصر التنوير “إمانويل كانت”؛ وهو كان موضوع حوار فتحه معي جان بول في أمسية يوم أمس، فاستطردت منه إلى جدار ” دونالد ترمب ” وأشباهه، على أن أعودَ إليه في الكتابة القادمة.
[/arabic-font]