سألتُ نفسي تكرارا: وهل يُعقلُ أن يكونَ ربّي قد جاء إلى وادينا البائس هذا، واحتمل ما احتمل من قذاراتنا؛ وفقط، وفقط حتّى نحاولَ نحن من ناحيتنا أن نكونَ في سلوكنا قيراطَين أفضل؟
إن أنا آمنتُ واقتنعتُ بأنّه احتمل ما احتمل على الصليب وقبله، فهل يُعقلُ أن أكتفي من ناحيتي بمحاولة تحسين سلوكي؟
هل يُعقَلُ هذا ويستوي؟
لعينيك الزرقاوتين وعدي. لن يسرقَني منك. لن تأسرَني خطيّتي. لن أكونَ في ما تبقى لي من زمن جهازا لابتلاع الطعام وإفراغه. لن أكونَ إلّا مشيرا ليدك، وجاهرا بكلمتك، وصارخا بصوتك. لعينيكَ لعينيك.. أنت قلتَ، ربّي: “جئتُ ليكونَ لهم حياة، وليكونَ لهم أفضل”. لبّيك.. سيكون لي حياة.. أنا لن أموت..!
……………………………………………………………………..
وعدي“أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ.” فيليبي: 2 : 7
وعدي الصادقُ لك ربّي، أنا أيضا سأطيع. سأطيعُك أنت بكلّ ما أشرت به. سأطيعُ مَن هو أكبر وأيضا مَن هو أصغر منّي. بطاعتي سأفتفتُ أناي. وأسحقُ كِبَري، وألجمُ تفاهتي. لن يكونَ لي هذا بقوّتي ولا بقدرتي، بل بنعمتك. فلا تحرمْني منها ربّي.
أطيعوا بعضُكم بعضاً قال الرسول. فليُطِع صغيرُكم كبيرَكم، ولكن أيضا كبيرُكم صغيرَكم، إنْ نقلَ هذا الأخيرُ فكرَ الله وعبّر عنه. سأطيع كلَّ آخر ربّي، تنسّمتُ في وجهه وجهَك، وفي كلمته كلمتَك، وفي صوته صوتَك، وفي قلبه بشائرَ روحِك.
……………………………………………………………………………
وعدي..
“وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَنَا أُعْطِيكُمْ: أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ أَيْضًا بَعْضُكُمْ بَعْضًا.” يوحنا 13: 34
وعدي الصادق لك ربّي أنّي سأحبّ. ولا أدّعي مقدرةً طفوليّة ساذجة على ذلك.. بكلّ الصدق الذي أملكه، سأتدرّب كلّ يوم على ممارسة فعلَ المحبة. لعلّي أستطيع..!
أحبّ فأكونَ عادلا. إذ كيف أحبّ قريبي وأظلمه؟
أحبّ فأكونَ صادقا. إذ كيف أحبّ قريبي وأَكذِبُه؟
أحبّ فأكونَ وفيّا. إذ كيف أحبّ قريبي وأخونه؟
أحبّ فأكونَ مسالما. إذ كيف أحبّ قريبي وأعنّفه؟
أحبّ فأكونَ رئيفا. إذ كيف أحبّ قريبي وأقسّي عليه؟
أحبّ فأكونَ مترفّعا. إذ كيف أحبّ قريبي وأحسده؟
أحبّ فأكونَ عطيّا. إذ كيف أحبّ قريبي وأقتّر عليه ؟
أحبّ فأكونَ عفيفا. إذ كيف أحبّ قريبي وأشتهي ما له؟
وأخيرا.. بكلمة لا تعلوها كلمة.. أحبّ فأكونَ مألوها. إذ كيف لي أن أحبَّ دون أن تسكنَ أنت في قلبي؟؟
أكلّ هذه ربّي؟ كثيرةٌ. كثيرةٌ عليّ . ويلي أنا الإنسان الشقيّ، كيف لي أن ألتزمَ أمامك بها كلّها، ولا أفي بها كلّها؟ حتى لا أجرحَ تعهّدي بأن أكونّ محبّا.. عهدي لك ربّي أن أتدرّبَ. أتدرّبُ على هذا المراس، وبنعمتك أنت، وبنعمتك فقط. سأكون مستطيعا.
…………………………………………………………
وعدي..
“إِذْ أَعْطَيْتَهُ سُلْطَانًا عَلَى كُلِّ جَسَدٍ لِيُعْطِيَ حَيَاةً أَبَدِيَّةً لِكُلِّ مَنْ أَعْطَيْتَهُ. وَهذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ.” يوحنا 17 : 3
وعدي الصادقُ لك ربّي أن أعرفَك. ألست أنت من قلت إن الأبديّة “هي أن يعرفوك أنت أيّها الآب وأنا يسوع المسيح الذي أنت أرسلتَه”؟
أعرفك فتكون هذه قفزتي إلى الأبديّة. ألآن. نعم الآن..!
أعرفُك بوجهك الذي رسَمَتْه لنا ماريّا فالتورتا.
أعرفك.. ليس بعقلي. ليس بفكري. بل بكلّ ذرّة من ذرّات كياني. بكلّ قطرة من قطرات دمي. بكلّ رعشة من رعشات وجداني. بكلّ خفقة من خفقات قلبي، أعرفك.. نعم ربّي، ليس بعقلي ولا بفكري..!
أعرفك فآكلك ربّي.. نعم وأنا قاصدٌ وواعٍ ما أقول. آكلُكَ وأتغذّى منك. ألستَ أنت القائل: ” أنا الخبز النازلُ من السماء” ربّي؟ فعلامَ لا آكلُك إذاً؟
أعرفُك فأحبّك.. أحبّ هذا الوجه وعبرَه كلّ وجه.
أحبّ عبرَك كلّ مَن تحبّ أنت.
أعرفُك فأتبعك أنت أنّى كانت وجهتُك، وأتمثّل بك أيّاً كان فعلُك، وأطيعك أنت مهما كان قولُك، ربّي.
بعدلي.. بتحنّني.. بعطيّتي..بتسامحي أعرفك ربّي..
أعرفُك فأكون مألوها، ربّي.. أكون هيكلا حيّا لسكناك.. بتمرّدي على كلّ من يدعوني لمخالفتك أعرفك. بطاعتي لإبني إذا اتضح أنك أنت من ينطقُ بلسانه، وأنك واقفٌ معه لا معي، أعرفك.
وإن عرفتُك ربّي.. أعشقُك.. أعشقُ وجهَ يسوع.. أسكرُ برؤيتي.. أكونُ في الأبديّة الآن..نعم الآن.. أدوسُ الموتَ.. أعبر هذا الوجود، وما بعد بعد هذا الوجود..!
لعينيك ربّي.. أنت جئت ليكونَ لنا حياة..وأنا، أنا لن أموت..!