«ولكن اسمحوا لي أن أعرف ما هو إله سمعان الغيور الكامِن.» الاسخريوطيّ الذي لم يتمكّن من الإجابة على ملاحظة يوضاس بن حلفا، يُحاول إعادة السؤال إلى نقطة البداية.
يقول سمعان الغيور: «حسب مفاهيمنا، يجب أن تكون هناك على الدوام عبارة لإدراك فِكرة ما. وكلّ منّا، أتحدّث عنّا نحن المؤمنين، يؤمن بقوّة الإيمان بالربّ تعالى والخالِق، الله الأزليّ الذي في السماء. ولكن كلّ كائن يحتاج إلى أكثر مِن هذا الإيمان العاري، النقيّ، غير الجسديّ، الأهل والكافي للملائكة الذين يَرَونَ الله ويحبّونه روحيّاً، متقاسِمِين معه الطبيعة الروحيّة، ومالِكِين القدرة على مشاهدة الله. أمّا نحن فإنّنا نحتاج إلى خَلق “صورة” لله. وهذه الصورة مؤلّفة من المزايا الأساسيّة التي نُسبِغها على الله لنُطلِق اسماً على كماله المطلق واللامتناهي. وكلّما رَكَّزَت النَّفْس، كلّما توصَّلَت إلى الدقّة في معرفة الله. وهذا ما أُعبِّر عنه “بالإله الكامِن”. لستُ فيلسوفاً. قد لا تنطبق العبارة تماماً. إنّما على كلّ حال، فالإله الكامن بالنسبة إليَّ هو الشعور بالله، هو إدراك الله في روحنا، والشعور به وإدراكه، ليس كفكرة مجرّدة، بل كوجود حقيقيّ يمنحنا قوّة وسلاماً جديداً!»
«حسناً، كيف حصلتَ على الشعور به؟ وما الفرق بين الشعور بالإيمان والشعور بالكُمُون؟» يسأل الاسخريوطيّ ساخِراً قليلاً.
«الله هو الأمان يا وَلَد» يقول بطرس. «وعندما يكون لديكَ الشعور الذي يتحدّث عنه سمعان باستخدامه تلك العبارة التي لا أفهمها لغوّياً، ولكنّني أُدرِك روحها -وثق تماماً أنّ السوء فينا يكمن في إدراك الحَرف وليس الروح في كلام الله- هذا يعني أنّكَ تنجح في إدراك، ليس فقط مفهوم عَظَمَة الله الرهيبة، بل أُبوَّته العَذبة للغاية. وهذا يعني أنّ لديكَ الشعور بأنّه، عندما يحاكمكَ العالم بأسره ويدينكَ ظُلماً، فواحد فقط، هو الأزليّ، الذي هو أب لكَ، لا يحاكمكَ، بل يغفر لكَ، وهذا يعني أنّ، في عزلتكَ في السجن أو في الصحراء، فإنّكَ تشعر على الدوام أنّ أحداً يحدّثكَ ويقول لكَ: “كُن قدّيساً لتكون مثل أبيكَ”، وهذا يعني أنّنا، بحبّ حقيقيّ لله الآب الذي نتوصّل في النهاية إلى إدراكه هكذا، نرضى ونعمل، نأخذ أو نترك، دون مقاييس بشريّة، دون التفكير سوى بردّ حبّ من أجل الحبّ، والتَّمَثُّل بالله قدر الإمكان في أفعاله الخاصّة.»
«يا لكَ مِن متكبِّر! التَّمَثُّل بالله! هذا غير مُعطى لكَ.» يُقدِّر الاسخريوطيّ.
«هذا ليس كبرياء. فالحبّ يقود إلى الطاعة. والتَّمَثُّل بالله يبدو لي شكلاً من أشكال الطاعة، لأنّ الله يقول إنّه خَلَقَنا على صورته كمثاله.» يجيب بطرس.
«لقد خَلَقَنا. ونحن علينا ألّا نرتَفِع أكثر.»
«ولكن كم أنتَ تعيس، أيّها الولد، إذا كنتَ تفكّر هكذا! إنّكَ تنسى أنّنا ساقِطون، والله يريد إعادتنا إلى ما كنّا عليه.»
فيأخذ يسوع زمام الحديث: «وأكثر أيضاً يا بطرس، ويا يهوذا والجميع. لقد كان كمال آدم كذلك قابلاً لأن يتعاظَم بفضل الحبّ الذي كان سيقوده إلى صورة أكثر دقة لخالقه. فآدم، دون وصمة الخطيئة، كان سيصبح مرآة نقيةّ جدّاً لله. لأجل ذلك أقول لكم: “كونوا كاملين كما أنّ أباكم السماويّ هو كامل”، كما الآب، كما الله. لقد أحسَنَ بطرس القول، وكذلك سمعان. أرجوكم تذكّروا كلامَهُما وطبِّقوه على نفوسكم.»
توشِك زوجة بطرس أن يُغمى عليها من الفرح لدى سماعها مديح زوجها هكذا. تبكي خلف وشاحها ساكنة ومغتَبِطَة. ويبدو بطرس وكأنّه أصيبَ بنوبة السكتة لشدّة احمراره.
انشودة الانسان الاله.
ج 3 ف 45
07 / 06 / 1945