المسيحيّون والإنتخابات

نحن المسيحيين لا نلتزم بالإنجيل. نحن نأتي بكليّتنا منه. نحن عصارةُ الإنجيل وغلّتُه .
نحن لا نأتي الإنتخابات في بلدتنا، أو مدينتنا، كمن أتى شاطئ بحر أو ضفة نهر في نزهة. نحن نأتيها عارفين أنّها التزامٌ ضميريّ وجدانيّ، تتقدّم فيها الذمّة على المصلحة الذاتيّة، وليست ممارستها التزاما عائليّا أو حزبيّا أو طائفيّا..
حتّى لا تكون مسيحيّته تباهياً وافتخاراً، يأتي المسيحيّ الحقيقيّ الإنتخابات بالنقاوة والصفوة والطهارة والقداسة. بنظافة الكفّ وصفاء السريرة. وليس في نيّته أن يرتشي أويرشي.
المسيحيّ الآتي من الإنجيل لا يرشي فيكون معثرة لجاهل أو كبوة لعارف. ويكون خزنةَ بُغضة ورصيدَ عداوة وخصومة وضغينة وحقد وكيد وغمّ وكره. ولا يرتشي فيكون مصدرَ عار وألم وحزن ونكد وانتقام.
نحن المسيحيّين نختار رؤساءَنا بحسب فهمهم ونزاهتهم واستقامتهم والتزامهم الأخلاقيّ. وبحسب جدارتهم ومقدرتهم على الخدمة. ولأن أبغض مزيّة عند ربّنا هي الكبرياء فنحن نقصي المتكبّرين، الممَجِّدين ذواتَهم، الرافضين نصحاً، المخلصين لأنفسهم ولأسيادهم من أصنام السياسة القذرة.
نحن لا ندينُ مَن ارتشى، أو رشى، حتّى لا نُدان. نُعرِض عنه ولا نعطيه قيمة ولا صوتاً عزيزاً غاليا. وإلّا نكون قد شجّعناه على فعلته وأقرّينا صوابيّتها.
نحن نفضّلُ مَن له تجربة في الخدمة العامة، ولا نرتضي واحدا من أزلام الفاسدين، ولا من عبّاد أصنام المال والثروات. نحن نقدّم مّن أثبت في الماضي إخلاصه للجماعة، وحرصَه على خيرها، ومقدرتَه على قيادتها. رئاسة البلدة ليست فقط إنماءً وازدهارا وعمرانا. ليست فقط حفرَ آبار وإصلاحَ طرقات وإعمارَ جسور. هي قبل كلّ هذا إصلاحُ نفوس ومدُّ جسور. وهل لمسؤولٍ بلغ سدّة الرئاسة بالرشوة والغشّ والحيلة والمكر أن يحفرَ بئرا ويسقي منها مياها تُحيي؟
ألإنتخابُ في المسيحيّة تعهّدٌ أخلاقيّ ضميريّ يربط المنتخَب بالمنتخِب.. لا يجوز إهمالُ هذا العهد والغرقُ في الحزازات والنكايات والمناكفات البغيضة، حتّى لا تقع أمورُنا في أيدي مَن ليسوا أهلا للأمانة وليسوا من المستحقّين.
ومن مدّ يده إلى جيبه ورشى، جلب العارَ على نفسه، وعلى ناخبيه. كالسارق والمنافق، هو آخر المستحقّين..!