شجرةُ ميلاد بستّين الفا، مَن قال إنّها تُحزّن الربّ؟

[arabic-font]

لفتتني بالأمس مقالة كان فارسُها كاتبَها، وكانت فرسُها شجرةَ ميلاد مسروجةً بستين الفا من الدولارات.
النقد كان لاذعا. تعدّى التنبيه في لحظة ما، حتّى بلغ حدّ السخرية. أخذني المشهد. تغلّبت طبيعتي الثوريّة على العقلانيّة، فهلّلت للكاتب مع أكثريّة القراء الذين لا بدّ أنْ يكونوا قد هلّلوا.
اليوم، قلتُ: بعضٌ من رويّة، أقرأ الحدث بهدوء. أو أحاولُ، لعلّني أنجح..!
رجلُ الدين هو صاحب القرار النهائيّ في تشييد ما تمّ تشييده بكلفة عالية. قبوله الهديّة لا يصحّ اعتبارُه خطيئة أو جرما.
غيرة الصحافيّ على الفقراء صادقة، أم هو سعي مبطّن لاستجلاب الإعجاب؟
المصرف الذي قدّم العرض هدفُه دعائيّ ربحيّ حتما، وهو ما كان ليقبلَ بعرض رجل الدين، لو أنّ هذا الأخير طلب – أو حتّى توسّل – الحصول على المبلغ نقدا لتحويله إلى محتاجي المساعدة المادّيّة.
قبول رجل الدين بالعرض دون تعديل عليه قد لا يكون مبعثه دنيويا. ألا يمكن أن يكون قد أخفى حبّا؟ لماذا التسرّع بالحكم؟ ألا يكون قد فكّر بإبهاج عيون تنظر إلى الشجرة، فتنجذب من خلال زينتها إلى صاحب العيد؟ لو أنّ الشجرة جذبت عيني حمل ضالّ واحد فعاد إلى الحظيرة، ألا تكون قد أدّت مهمّة هدائيّة؟
ثمّ، مَن قال إنّ الشجرة لا تبهجُ قلبَ الربّ، إن كانت قد قُدّمت من قلب خاشع محبّ، أو عائد تائب؟ وإن جاز تطبيق علم القياس على هذا المشهد بالعودة إلى الأناجيل نستنتج التالي:
إغتاظ يهوّذا يوما لمرأى المجدليّة تفرغ قارورة الطيب الغالي ثمنه على قدمي الربّ. قال: أما كان من الأجدى أن نبيعَه ونصرفَ ثمنَه على الفقراء؟
جواب السيّد الربّ كان قاطعا وواضحا. هو لا يحتمل اللبس. قال” الفقراء معكم في كلّ حين، وأنا لست معكم في كلّ حين”. وأضاف: لقد غُفرت خطاياها الكثيرة، لأنّها أحبّت كثيرا “.
هنا السرّ..! الربّ ينظر إلى ما في القلوب. الفقراء معنا في كلّ حين…!
لماذا نسارع إلى تجريد رجل الدين من محبّته، ونتستّر سريعا بغيرتنا على الفقراء؟ مهلا.. لعلّ الربّ يكون مبتهجا لفعلته..!

تأمُّلي في المشهد قادني إلى دعوة الكاتب ومحازبيه إلى التروّي.

قلتُ: عليّ أنْ أستنيرَ بذكائي وأستثيرَ ذكاء رجل الدين. أقترحُ أن يضعَ تحت شجرته مقعدا غالي الثمن، ثمّ يصرف فيه من ساعات يومه ثلاثاً، متفيّئا شجرته غائصا في نعمة حلوليّة ناعمة. له الخيار في أن يدعوَ كاتبَ المقالة لمجالسته في وضعيّة الصلاة والخشوع، أو أن يعفيَه من ورطة ثقيلة أوقع نفسَه فيها..!
أشار إبني عليّ بأنّ رجل الدين قد يستجلب حباً أكبر، إنْ هو أقنع المصرفَ في السنة القادمة بعمق الفائدة الدعائيّة، لو رُفعت لافتةٌ في الموضع نفسه؛ على أنْ تحملَ هذه الجملة: هنا كانت ستُنصَبُ شجرةُ ميلاد ضخمة بتكلفة 60 الف دولار، ولكنّ إدارة المصرف قرّرت في اللحظة الأخيرة تحويل المبلغ إلى عمل خيريّ.
عصفوران بحجر ذكيّ…
إستحسنتُ الفكرة.

[/arabic-font]